انتشرت في الآونة الأخيرة ما يطلق عليها مكاتب أو عيادات الاستشارات الأسرية في مختلف المناطق بدون رقابة أو وجود جهة حكومية تشرف عليها، ما جعلها مهنة من لا مهنة له، وسرعان ما توزعت العديد من الألقاب بين العاملين في هذه المكاتب والعيادات منها «خبير استشارات أسرية» أو «خبيرة استشارات نسائية» وغيرها من الألقاب رغم أن العاملين فيها ربما يكونون غير مؤهلين مما يوقعهم في دائرة قضايا النصب والابتزاز والاحتيال. «المدينة» فتحت هذا الملف الساخن واستمعت إلى آراء عدد من الأكاديميين والقانونيين والمختصين الذين انتقدوا قصور دور وزارة الشؤون الاجتماعية كونها تكتفي بالجانب العلاجي بعد حدوث المشكلة، وطالبوا بإنشاء مراكز وجمعيات متخصصة تعمل بها كوادر مؤهلة تحت إشراف الوزارة، وشددوا على أهمية الدور الرقابي ووجود عقد اتفاق بين هذه المراكز وقاصديها من أجل الحفاظ على أسرار العملاء وعدم استغلالها في أمور أخرى لاحقًا. غياب الصفة النظامية والقانونية بداية يؤكد عضو هيئة التدريس في قسم الدراسات الإسلامية بجامعة الملك عبدالعزيز الدكتور علي عمر بادحدح أن جوهر هذه المشكلة يكمن في عدم وجود الصفة النظامية والقانونية للعاملين في هذا المجال، مما يعني انه ليس هناك شروط يجب توفرها في العاملين بها، ولا توجد عقوبات تلحق من يتجاوز أو يرتكب أي مخالفة لعدم وجود بنية قانونية بمرجعية إحدى الوزارات ذات العلاقة مما يؤدي إلى وجود الشخص غير المناسب وغير المؤهل وغير المؤتمن، لذا لا بد من إيجاد بنية متكاملة وإلا فلا نتوقع أن تكون لدينا بنية إرشاد نفسي سليمة وبدون أخطاء في ظل غياب البنية النظامية والقانونية، مشيرا إلى أننا أصبحنا في حاجة ماسة وملحة للاستشارات في المجال الأسري، وذلك بسبب التغير الاجتماعي الناشئ عن التغيرات الكبيرة في الناحية الاقتصادية والإعلامية التي غيرت في تكوين الأسرة الممتدة التي كانت تستغني في السابق عن ذلك بالمشورة من الآباء والأمهات والجدات والوسط العائلي، هذه الصورة ضعفت في الجيل الجديد الذي أصبح بعيدا عن هذا التواصل وأكثر تأثرا ببعض الأفكار والأنماط الحياتية غير الإيجابية من ناحية ترابط الأسرة، بالإضافة إلى دخول عدة مشكلات جديدة منها الاقتصادية والنفسية وبعض السلوكيات الناتجة عن مفاهيم وتصورات مستحدثة، لذا نقول إننا بحاجة ماسة وملحة للاستشارات النفسية. وأضاف: لا بد على من يقوم بهذه الاستشارات أن يكون عنده علم شرعي وأن يخضع لدورات في القضايا الاجتماعية، أو إذا كان متخصصا في علم الاجتماع أي يأخذ دبلومات في العلوم الشرعية، أما قضية التصدي بدون تأهيل، فهذه قضية عامة وليست حكرا على الاستشارات النفسية فنحن قطعا نرفض أن يعالج الناس من ليس لديه علم طبي أو يفتي بالناس من ليس لديه علم شرعي، لذا لن نقبل أن يرشد الناس إلى حلول المشكلات من ليس لديه العلم والخبرة. العلاج بعد حدوث المشكلة وزاد: المشكلة الأساسية تكمن لدينا بوجود حاجة لا يوجد من يلبيها، فمثلا وزارة الشؤون الاجتماعية لا يوجد لديها لا الجهاز ولا القنوات والمراكز التي تقوم على هذه الأمور للأسف مقصرة جدا في هذا الجانب، ولكنها تكتفي فقط بالجانب العلاجي بعد حدوث المشكلة مثل دور المعنفات وغيرها لا يعالجون المشكلة منذ البداية ولكن يستقبلون جراحها وضحاياها. الأمر الثاني لا توجد لدينا مؤسسات مجتمع بعدد كافٍ؛ لذا يلجأ الناس لأي شخص، وهذا المتصدي قد لا يكون مؤهلا بل يكون مجتهدا، لكننا لا نستطيع الاستغناء عنه لعدم وجود البديل؛ لذا لا بد أن تقوم الوزارة بإنشاء مراكز يعمل بها متخصصون، ولابد أن تسمح بافتتاح جمعيات متخصصة في الإرشاد الأسري والتأهيل الأسري والتأهيل للزواج وعلاج المشكلات بقدر كبير وكافٍ، أيضا مناهج التعليم كانت في السابق مناهج الطالبات لها نصيب كبير من خطط إعداد الفتيات للزواج وبرامج التربية الأسرية، أما الآن بدأت تميل لان تكون مناهج علمية بحتة مما ينافي حاجتنا. استشاريون مؤهلون بدورها أوضحت جمعية الشقائق والتي أثبتت حضورها بقوة في السنوات الماضية في مجال الاستشارات الأسرية وإعداد الفتيات للزواج، أنها تعمل تحت إشراف وزارة الشؤون الاجتماعية، وجميع العاملين بها في مختلف أقسامها ومن ضمنها قسم الاستشارات، من الاستشاريين والأخصائيين على مستوى عالٍ من التعليم والخبرة، ومنهم من يحمل درجة الدكتوراه والماجستير في تخصصات مختلفة (توجيه وإرشاد نفسي، توجيه وإرشاد أسري، صحة نفسية، وعلاج اسري)، ومنهم من لديهم رخصة مهنة أخصائي نفسي من هيئة التخصصات الصحية. وعن الفئة الأكثر إقبالا على خدماتها، أوضحت مشاعل الحامد مسؤولة قسم الاستشارات، أنها تستهدف فئة النساء والفتيات فقط، مبينة «الإقبال على مركز الاستشارات كبير جدا لدرجة أننا في بعض الأوقات نواجه ضغطا في استقبال المكالمات التي تأتينا من بلدان مختلفة رغم أن المركز يعمل على فترتين صباحية ومسائية لاستقبال المكالمات. شهادات نسائية وبالمقابل قال عدد من السيدات اللواتي تقدمن لمركز الاستشارات الأسرية التابع لجمعية الشقائق إن مثل هذه المراكز تساعدهن بالفعل على تجاوز العديد من المشكلات من خلال اختيار الجمعية للمختصين المناسبين الذين يقدمون حلولا علمية ناجعة. وعن ذلك تقول صالحة ميسر والتي حضرت عددا كبيرا من الدورات التي تعدها الجمعية: علمت بوجود مركز الاستشارات الأسرية، ومن خلاله تمكنت بالفعل من معرفة الطريقة المثلى للتعامل مع أولادي، وحل الكثير من المشاكل التي تقع بيني وزوجي. وطالبت بثينة العامودي بأن تكون هناك وسائل لجلب الرجال لهذه المراكز، لان المرأة هي الأكثر إقبالا على هذا النوع من الوسائل التي تساعدها على تجاوز المشاكل الزوجية التي قد تواجهها.