أثناء تواجدي للدراسة في الولاياتالمتحدةالأمريكية للدراسة كنت أعدُّ بعض المأكولات السعودية التي تعلمتها، وكانت جارتي في الشقة المقابلة تعمل في أحد المصارف، وتعودَت أنْ أهديها بعض مما أُعدّ خصوصاً في نهاية الأسبوع، وكانت تفعل الشيء نفسه خصوصاً الحلويات، وبعد فترة سألتني عن السر وراء المذاق الطيب للأطباق السعودية من كبسه وجريش ومرقوق..الخ. وأثناء تجهيزي لها طريقة تحضير ما أعجبها من المأكولات، كان من الأشياء التي لفتت انتباهها الكمّ الهائل من التوابل التي يمتاز بها المطبخ السعودي بصورة خاصة والعربي بصورة عامّة، وربطت صديقتي بين حرارة التوابل المستخدمة في المطبخ العربي، وحرارة الترحيب بالضيف!. البهار المحلّي وفي مختلف مناطق ومحافظات المملكة نجد أنّ هُنَاكَ المئات من المحال المخصصة لبيع التوابل والبهارات، وهي منتشرة بكثرة وبالأخص في الأسواق القديمة والشعبية، ويعدُّ شراء التوابل من هذه الأسواق فناً وذوقاً في حد ذاته، يجب أنّ تتصف به كلّ سيدة سعودية وعربية، حتى تقتني التوابل بكميات ومقاييس متناسبة لتعدَّ خلطة البهار المحلي، وطريقة ذلك تكُون باختيار أصنافٍ عديدة من التوابل مثل؛ الفلفل الأسود والأحمر، والكركم، والقرفة وغيرها.. توابل ثمينة وللتوابل استخداماتٌ عديدة فهي توضع في الحلويات مثل؛ "الكليجا" و"الملتوت"، وكذلك تُعطَّر بها قهوتنا العربية وتجعل لها عبقاً يحتضن الأجواء، وتوضع إلى جانب البُّن مع كميات متوازنة ودقيقة من الزعفران والقرنفل والهيل، وفي الماضي كانت التوابل تباع كموادَّ ثمينة ومطلوبة بسعر الذهب، ولا يقتنيها إلاّ الأثرياء، ومن فرط حب القدماء وافتتانهم بالتوابل والبهارات أدخلوها في صناعة العطور، فعبير هذه العطور مستوحى من التوابل المختلفة، وكانت الأرباح من تجارة التوابل وراء استعمار الأوربيين للعديد من دول الشرق، وذلك للاستفادة من خيرات أراضيها وما تنتجه، ولم تظهر كلمة البهارات في اللغات الأوروبية إلاّ في نهاية القرن الثاني عشر الميلادي كما تشير كتب التاريخ ، وقد سحرت البهارات والتوابل عقول الأوروبيين عندما اكتشفوها لأول مرة، فألوانها الجميلة المشرقة وروائحها القوية وطعمها الشهي كل ذلك ساهم في الإعجاب بها والإقبال عليها، ولقد انتشرت بعد ذلك محلات بيع التوابل والعطارة الشرقية في اوربا القديمة، والواقع أنّها كانت معروفة من قبل القدماء في العصور اليونانية والرومانية، وكان المصريون القدماء يستخدمونها في تحنيط الموتى. الخلطة السريّة وعن تجهيز الأسرة السعودية للتوابل قالت "أم فيصل" -سيده ستينية- في الماضي كانت تقوم ربة البيت وبناتها بتنقية التوابل من الشوائب العالقة، ومن ثم يضعنها في مصفاة ضيقة الفتحات، ويغسلنها بالماء للتخلُّص من الغبار والأتربة، وتوضع في "ماسف" كبير وتعرض لأشعة الشمس حتى تجف، وتحرك بين فترة وأخرى، ثم تأتي بعد ذلك عملية التحميص على النار لفترة ليست بالطويلة، وتعتمد السيدة على حاسّة الشَّم، فإذا كانت فاحت رائحة البهار الزكية تتوقف عن التحميص، وبعد ذلك يُطْحَن البهار ويوضع في علب مع قليل من الملح حتى ووقت الحاجة إليه، وكان لكل بيت خلطته السرِّية التي تميزُ طبخه عن البيت الآخر. وأضافت "أم فيصل" أنّ الجدّات في الماضي لا يقمن بعملية الطحن إلاّ عند التحضير لكل وجبة، وكانت الجدّة تدق التوابل في الهاون وتضعها مباشرةً على الأكل، ويعود ذلك إلى حرصهن على أن لا تفقد التوابل مذاقها ونكهتها الحقيقية ورائحتها الزكية، وبالإضافة الى التوابل تستخدم المرأة الليمون اليابس "العماني"، والزعفران والقرفة، والعديد من الأنواع التي تزخر بها محلات التوابل والعطارين، وقد أثبتت الدراسات أنّ الفلفل الأسود المطحون يفقد بمرور الزمن بعض خصائصه.