كل امرئ منا يواجه يومياً بمواقف مثيرة للتوتر الشديد. ويمكن أن تتأخر درجة تضرر الإنسان من التوتر بأحداث الحياة التي تسبب إجهاداً عاطفياً زائداً. ولا شك إن الاجهاد العاطفي هو أحد العوامل المخفضة لمقاومة الإنسان واعتلال الصحة يعتمد بدرجة كبيرة على قدرة مكافحة التوتر وقد سادت في العقود الطويلة الماضية نظرة (آلية) للإنسان ولجسده.. ولتفسير آلامه ومتاعبه الصحية. إذ كان ينظر إلى الجسم كآلة يجب تزويدها بالوقود (الطعام والشراب) وتمرينها جيداً.. أملاً في أن يحول ذلك دون اختلالها أو تعطلها مع المجاهدة في سبيل إبقاء مظهره جميلاً. وإذا ما طرأ عطل على هذه (الآلة) يمكن إصلاحها ميكانيكياً وقضى الطب عقوداً من عمره وهو يعالج المشكلات بالجراحة أو الأشعة أو الأدوية.. فيستأصل الجزء المصاب، أو يزيله بالمواد الكيميائية.. لتستأنف الحياة من جديد. ولا يمكن أن ننكر ما حققه الطب من انجازات مثل تطوير المضادات الحيوية.. واللقاحات، والجراحة (بالليزر) وزرع الاعضاء وغيرها من الأمثلة التي استطاع بها الطب أن يخفف المعاناة والألم بشكل كبير. لكن هذه الوسائل والسبل لا تنجح دائماً!! فاحياناً تتسبب التأثيرات الجانبية للادوية والجراحة بمضاعفات اسوأ من المرض نفسه. وكثيراً ما وقف الطب عاجزاً أمام معرفة اسباب نشوء بعض الأمراض، ومعرفة العلاج لها للوصول إلى الشفاء مما يؤكد أن المشكلة تتجاوز في كثير من الاحيان حدود الطب الذي لم يستطع أن يؤفر علاجاً ودواءً ناجعاً. الأمر الذي جعل نظرية (الآلة) تُعلن فشلها، وعاد الطب يعلن تراجعه بعد أن ضل طويلاً. فالطب الذي تعامل مع الجسد البشري (كآلة) يعمل كل جزء منها باستقلالية عاد اليوم ليردد ما نعرفه نحن ونؤمن به وهو أن الجسد مترابط.. (إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى). ولأننا نؤمن بكل ما جاء به القرآن والسنة ايضا فلا يمكننا أن نغفل حقيقة ذكرها سيد ابن آدم صلى الله عليه وسلم في قوله:»إن الله لم ينزل داءً إلا أنزل له الشفاء. علمه من علمه وجهله من جهله» أو كما قال. وبالتالي.. فإن ما يدعيه الطب - بسبب عجزه - أن هناك امراضاً مستعصية، وأخرى مزمنة لا شفاء منها، وثالثة لا يعرف سببها ولا أمل في الشفاء منها. كل هذا وذاك مردود عليه بقول من لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم والطب النفسي الذي تعامل ايضا مع المريض من خلال العقاقير وأسره بحبه دواء يعيش بها إلى اجل غير مسمى اخفق اخفاقاً عظيماً.. خاصة مع الاخطاء غير المعقولة وغير المقبولة في التشخيص التي جعلت الانسان كرة تتقاذفها الايدي من احتمال لآخر ويتناول المريض العلاج لسنوات وسنوات لا يرى تحسنا بل يجد نفسه ينحدر من سيء الى اسوأ!! ويصرف عشرات الآلاف من الريالات والدولارات في سبيل أن يصل الى الشفاء.. دون جدوى!! كل هذا يؤكد ان هناك خللاً واضحاً في التعامل مع شكوى المريض.. وفي تحديد سبب علته. واقول (تحديد سبب العلة) ولا اقول تشخيص مرضه، لأن هناك فارقاً كبيراً فليس مهماً تشخيص المرض بقدر اهمية تحديد سببه. فقد يكون المريض مصاباً بالسرطان... وهذا التشخيص لن يقدم ولن يؤخر في علاجه.. ولكن حينما يكون سبب هذا المرض معروفاً (تحديد سبب العلة) فإن طريقة العلاج ستختلف.. ونتيجتها ايضا ستختلف. فإن كان سبب السرطان( مرضاً روحانياً) فإن طريقة العلاج ستختلف.. ونتيجته ايضا ستختلف. إذ يمكن الوصول إلى الشفاء إن سلك طريق العلاج الصحيح. ولكن إن سلكه نحو العلاجات الجراحية والكيميائية مع تجاهل حقيقة المنشأ.. فعندئذ تكون النتيجة مجهولة..وإن نجح الطب في استئصالها.. فستعود مرة أخرى بعد العلاج والجراحة.. هذا يؤكد أننا بحاجة إلى تكاتف العلوم العلاجية جميعها للنظر في حال المريض وعلاجه.. فكم من مريض عالجه الطب الجراحي وهو بحاجة إلى علاج نفسي أو روحاني!! وكم من مريض اسرته العقاقير النفسية وكان علاجه الحقيقي بحاجة إلى رقية وراقٍ!! إن العلاقة بين العلوم العلاجية هي علاقة تكاملية وليست علاقة تنافسية هذا إن كان الهدف - كما أسميته من ذي قبل - (شفاء حياة المريض).. أما إن كان الهدف (علاج عارض) فبالتأكيد ستبقى العلاقة تنافسية.. والله المستعان