قبل عقودٍ قليلةٍ مضت، لم يكن للصين حظٌّ يُذكر في صناعة الطاقة الشمسية. وأمّا اليوم فإنها تصنع ثلاثة أخماس الألواح الشمسية التي ينتجها العالم. غزو مبهر، وإنتاج كثيف! إنّهم قوم لا يلعبون، بل هم يعملون، ويعملون، ويعملون. وبالرغم من القبضة الحديدية المطبّقة على أكبر شعوب العالم من حيث عدد السكان، فإن النظام الشيوعي يبذل أقصى جهده لدعم الصناعة والتجارة في البلاد، فهو لا يتردد في تقديم كل التسهيلات الإجرائية، والتنظيمية، والقانونية، ليس لمواطنيهم فحسب، وإنما لكل مستثمر يطأ تلك الأرض، بداية من توفير المترجم المناسب، وانتهاء بإصدار التراخيص اللازمة. ومؤخرًا لجأت 7 شركات أمريكية متخصصة في صناعة الألواح الشمسية (من ولاية واحدة) لرفع شكوى ضد قطاع صناعة الألواح الشمسية في الصين، متذرعين بالدعم الحكومي الصيني، ومتّهمين القطاع كله بإغراق السوق الأمريكية، وبيع منتجاتها بأسعار دون التكلفة. وتطالب الدعوى بفرض رسوم ضريبية بمقدار 100% على سعر الجملة على مبيعات الصين من هذه الألواح، والتي بلغت 1600 مليون دولار في الشهور الثمانية الأولى من 2011م. تلكم عينة من هيمنة الصناعة الصينية على قطاعات اقتصادية واسعة، وبجودة منافسة على عكس الانطباع السائد عن رداءة المنتج الصيني، وهو انطباع قد ينطبق على سوقنا المحلي؛ لأن المقاييس والمواصفات المعتمدة ضعيفة. وحتى عندما ترتفع مستويات هذه المقاييس، لا يتم تطبيقها بجدية، وإنما يتم تمرير سلع رديئة مخالفة من تحت الطاولة، ومن فوقها، طمعًا في ثراء سريع كما تعوّدنا دائمًا للأسف الشديد. وكثير ممّن زاروا المعارض الصناعية الصينية يدركون هذه الحقيقة، فالسلع الممتازة موجودة، والرديئة كذلك موجودة، وبينهما مشتبهات ومتنوعات. لكن للأسف لا يصلنا غالبًا إلاّ الرديء باستثناء تلك السلع التي تحمل أسماء شركات عملاقة تهتم بسمعتها، وتحافظ على مكانتها. الصين منافس عديد وشرس، ومنه يمكن تعلّم دروس لا حدود لها في الصبر والمثابرة، والارتقاء إلى مستوى التحدّي مهما صعب واشتد. وكثير من الأزمات الاقتصادية المستفحلة في الولاياتالمتحدة وأوروبا تعود جزئيًّا إلى هذا التنافس المحموم الذي توجهه الصين إلى هؤلاء العمالقة الذين ربما تحوّلوا إلى (سابقين) عمّا قريب!!