أكد صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية في الرياض أمس أن تصرفات إيران تشير إلى عدم اهتمامها بمبادئ الاحترام المتبادل والتعاون مع دول الجوار، مشيرا إلى أن تدخلاتها في الشؤون الداخلية للدول الخليجية ما زالت مستمرة، كما أنها ماضية في تطوير برنامجها النووي وتجاهل مطالبات العالم ومخاوفه المشروعة من سعيها لتطوير هذا السلاح الفتاك، وإيجاد تهديد جدي للأمن والاستقرار على المستويين الإقليمي والدولي. جاء ذلك في كلمته بمنتدى الخليج «الخليج والعالم»، والتي ألقاها نيابة عنه صاحب السمو الأمير الدكتور تركي بن محمد بن سعود الكبير وكيل وزارة الخارجية للعلاقات المتعددة الأطراف، والذي افتتح أيضا المؤتمر الذي ينظمه معهد الدراسات الدبلوماسية بوزارة الخارجية بالتعاون مع مركز الخليج للأبحاث في دبي، نيابة عن سمو وزير الخارجية. وأكد الأمير سعود الفيصل سعي المملكة ودول مجلس التعاون الخليجي الدائم لإحلال السلم والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، بما في ذلك دعم قيام الدولة الفلسطينية، وحظر أسلحة الدمار الشامل، وبناء علاقات تسودها مبادئ الاحترام المتبادل والتعاون مع دول الجوار، وفي مقدمتها إيران، مشيرًا إلى أن دول مجلس التعاون ليست لها مصالح توسعية أو توجهات للتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، ولكنها مصمّمة على حماية أمن شعوبها واستقرارها ومكتسباتها في وجه المخاطر والتهديدات. وقال سموه: «لا يمكن أن نتناول جهود إحلال السلم بمنطقة الشرق الأوسط بما فيها منطقة الخليج دون التطرق لمستجدات القضية الفلسطينية ووصول المفاوضات في هذا الخصوص لطريق مسدود، بسبب تعنت إسرائيل المستمر، ورفضها لجميع المبادرات السلمية لحل النزاع بما فيها مبادرة السلام العربية»، مؤكدًا مسؤولية المجتمع الدولي نحو الضغط على إسرائيل بحزم للتخلي عن منطق القوة وتبني خيار السلام والاعتراف للشعب الفلسطيني بحقه في إنشاء دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف وفقًا للقرارات الشرعية الدولية والقانون الدولي. وأضاف سمو وزير الخارجية: أؤكد سعينا الدائم لبناء علاقات تسودها مبادئ الاحترام المتبادل والتعاون مع دول الجوار، وفي مقدمتها إيران، والتي مع الأسف تتصرف على نحو يشير إلى عدم اهتمامها بهذه المبادئ»، مبينًا أن التدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية للدول الخليجية ما زالت مستمرة، كما أنها ماضية في تطوير برنامجها النووي وتجاهل مطالبات العالم ومخاوفه المشروعة من سعيها لتطوير هذا السلاح الفتاك، وخلق تهديد جدي للأمن والاستقرار على المستويين الإقليمي والدولي. وأشار إلى أنه مع تأييد حق إيران وبقية دول المنطقة في الاستعمال السلمي للطاقة النووية، إلا أن هذا يجب أن يكون تحت إشراف ومراقبة وكالة الطاقة الذرية ووفقًا لأنظمتها، مما سيساعد على نزع فتيل الأزمة وبناء الثقة بين إيران من جهة وجيرانها في الخليج والمجتمع الدولي من جهة أخرى. وعن حظر الأسلحة النووية وبقية أسلحة الدمار الشامل، جدد سموه تأكيد دعم المملكة المستمر للجهود الساعية لجعل منطقة الشرق الأوسط منزوعة من كافة أسلحة الدمار الشامل، لافتًا إلى أن رفض إسرائيل المستمر للانضمام لاتفاقية حظر الانتشار وبقاء برامجها النووية خارج نطاق الرقابة الدولية يعد أحد العراقيل الرئيسية لتحقيق هذا الهدف المشروع لشعوب المنطقة وللعالم أجمع. وأوضح أن المنطقة العربية تشهد تحولات عميقة لم تشهد مثلها من قبل، الأمر الذي يتطلب من الجميع وقفة مسؤولة للحفاظ على دول المنطقة ووحدة أراضيها وسلامتها الإقليمية والسلم المدني، دون إغفال المطالب المشروعة لشعوب المنطقة، بالإضافة إلى استمرار آثار الأزمة الاقتصادية العالمية التي ما زالت تلقي بظلالها على العديد من الدول والشعوب، مبينًا أنه بالنظر لما تحظى به منطقة الخليج العربي من أهمية كبرى مرتبطة بموقعها الاستراتيجي المهم وما تملكه من احتياطيات ضخمة من النفط والغاز واللذان يشكلان أهم مصادر الطاقة في العالم، فإن هذه التحديات والتهديدات التي تواجهها منطقة الخليج تمثل بلا شك تهديدًا للأمن والاستقرار العالميين. ولفت سموه إلى أن من أهم الدروس المستفادة من هذه الأزمات هو أنها برهنت مرة أخرى للجميع على حقيقة صعوبة السيطرة عليها بشكل إنفرادي من قبل الدول، ولهذا فإن التعاون الإقليمي والدولي هو السبيل الوحيد لمواجهتها، كما أنه الوسيلة لتحقيق أهداف الدولة في التنمية المستدامة والرفاه والاستقرار لشعبها، وهو الضامن لعدم تكرار مثل هذه الأزمات في المستقبل، حيث لا يمكن لدولة أو منطقة معينة من العالم أن تعيش في استقرار ورخاء بينما يعج بقية العالم بالقلاقل والأزمات بشتى أنواعها». وأفاد سمو وزير الخارجية أن المملكة أدركت حقيقة دور التعاون الإقليمي والدولي منذ مرحلة مبكرة، حيث كانت من الدول المؤسِّسة للعديد من المنظمات الدولية والإقليمية العريقة، وعلى رأسها الأممالمتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي والجامعة العربية ومجلس التعاون لدول الخليج العربية، كما أنها تساهم في كثير من الهيئات والصناديق والبنوك التنموية على كافة المستويات الإقليمية والدولية، بالإضافة لمشاركتها كعضو فاعل في مجموعة العشرين الاقتصادية. وبين أن مصادر الأزمات قد تشعبت بصورة كبيرة، وظهرت على الساحة الدولية العديد مما يُدعى ب»العناصر من غير الدول» والتي أصبحت تلعب دورًا بارزًا أثناء عملية رصد ومعالجة المخاطر التي تواجهها الشعوب حول العالم، ومن ذلك تهديدات الإرهاب والتلوث البيئي والتغير المناخي والأمراض الوبائية والأزمات الاقتصادية والمالية والثقافية، حتى ظهرت أشكالًا جديدة من الصراعات، مع استمرار بعض الدول في السعي إلى فرض هيمنتها ونفوذها والتدخل في شؤون الدول الأخرى، وهو ما يستدعي تعزيز التعاون الإقليمي والدولي بمختلف صوره لمواجهتها والحد من تداعياتها. وتحدث سمو وزير الخارجية في كلمته عن منظومة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، موضحًا أن المجلس هو هيئة منفتحة على العالم تسعى إلى تحقيق الرقي والتقدم لشعوبها والحفاظ على مكتسباتها مع التعاون والتفاعل مع بقية الشركاء الإقليميين والدوليين، وتدرك أنها بحاجة إلى دعم المجتمع الدولي والأصدقاء كافة لتحقيق أهدافها العادلة تجاه شعوبها وتجاه بقية العالم. واستعرض في هذا السياق الأدوار البنّاءة التي يقوم بها المجلس، ومنها معالجة الوضع في اليمن، والمبادرة الخليجية التي تم التوقيع عليها في المملكة بحضور خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز والرئيس اليمني علي عبدالله صالح وجميع الأطراف المعنية، مفيدًا أن المبادرة لقيت قبولًا طيبًا من الأطراف اليمنية وترحيبًا دوليًا واسعًا، بالإضافة إلى دعم وتأييد المنظمات الدولية والإقليمية الرئيسية وعلى رأسها الأممالمتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي والجامعة العربية». وشدد على أن دول مجلس التعاون ليست لها مصالح توسعية أو توجهات للتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، ولكنها مصمّمة في نفس الوقت على حماية أمن شعوبها واستقرارها ومكتسباتها في وجه المخاطر والتهديدات، مبينًا أن الأحداث أثبتت أن بمقدور المجلس التصدي لمثل هذه التحديات اعتمادًا على الروابط الشعبية القوية والاتفاقيات والمعاهدات العديدة التي تربط شعوبه ودوله، كما أثبت المجلس قدرته على التعامل مع الأحداث والتطورات في المنطقة وبرز دوره الاستراتيجي والسياسي بالإضافة إلى الاقتصادي في حفظ الأمن والاستقرار في ظل هذه التطورات، وقد تجلى ذلك الدور في مساهماته الواضحة في تحقيق الأمن والاستقرار في العديد من دول المنطقة. وفي إطار جهود دول مجلس التعاون لمواجهة التحديات الاقتصادية الناجمة عن الأزمة العالمية والركود الاقتصادي، أشار سمو وزير الخارجية إلى أن المجلس استطاع إلى حد كبير تجنب تداعيات تلك الأزمة إذ ظلت هذه المنطقة من بين المناطق القليلة في العالم التي حققت معدلات نمو جيدة بالرغم من الركود الاقتصادي العالمي، لافتًا إلى أنه من المتوقع أن تحقق دول المجلس كمجموعة معدلات نمو قد تصل إلى 8 في المائة وهو قريب من معدلات النمو التي كانت قبل الأزمة المالية العالمية. وأشار وزير الخارجية إلى أن انعقاد هذا المنتدى يأتي في ظل ظروف سياسية واقتصادية بالغة الحساسية تعصف بالعالم أجمع، حتى أصبح من الصعب تحديد منطقة أو دولة لا تعاني طرفًا من المشاكل المرتبطة بهذه الظروف، وأصبح جلّ اهتمام القادة وصانعي القرار والمفكرين في هذه الدول هو كيفية مواجهة هذه المشاكل ومنع امتدادها ومعالجة آثارها، لاسيّما وأن الخليج العربي يجاور مناطق تشهد توترًا وعدم استقرار غير مسبوقين، ويشمل ذلك تصعيد المواجهة بين إيران والعالم حول برنامجها النووي، واستمرار معاناة الشعب الفلسطيني إثر تعثر العملية السلمية، بالإضافة لتداعيات ما تمر به العديد من دول المنطقة من تغييرات سياسية واسعة في ظل ما أصبح يعرف بال «الربيع العربي». حضر حفل الافتتاح سمو الأمير محمد بن سعود بن خالد وكيل وزارة الخارجية لتقنية المعلومات، ووزير المالية الدكتور إبراهيم العساف، ووزير الثقافة والإعلام الدكتور عبدالعزيز خوجة، ورئيس هيئة حقوق الإنسان الدكتور بندر العيبان، ورئيس ديوان رئاسة الجمهورية العراقية الدكتور نصير العاني، وحشد من كبار القادة الدبلوماسيين والاقتصاديين والمهتمين بالشأن الخليجي من مختلف دول العالم.