كان يومًا عاديًا من أيام الطفلة الصغيرة مثله مثل باقي الأيام، تتشابه فيه الأحداث والمواقف، إلا الحلم فهي كل يوم تنسج حلمًا جديدًا تستيقظ بعده على الأمل. صوت الجرس يدق تصطف الطوابير في فناء المدرسة، الكل يقدم تحية العلم والطفلة معهم تردد (سارعي للمجد والعلياء)، أصوات تنبعث هنا وهناك، وقع أقدام تصعد وأخرى تنزل، آيات قرآنية تُردَّد في هذا الفصل، وحصة علوم في ذاك.. صوت تصفيق يدوي من الصف المجاور. عويل وصراخ.. هذه المرة ليس مشهدًا تتدرب عليه التلميذات من أجل الإعداد لحفل خاص، وليس فقرة من فقرات الإذاعة المدرسية، ولا يدل على أنه فصل غابت عنه معلمته.. الكل موجود في المشهد.. المعلمات والطالبات واليوم الدراسي. تنظر الطفلة حولها، الجميع يهرول هربًا إلى اللا خلاص، عتمة تلفها عتمة أشد، في هذه اللحظة توقف كل شيء، تستدرك الطفلة عندها أنه حريق تحاول الهرب، تلتقط عيناها الصور حولها.. معلماتها زميلاتها المبنى، وباقي الصغيرات المحصورات بين ركامات الدخان تطرق أياديهن الصغيرة النوافذ المسيّجة بالحديد والنار. فرق الدفاع المدني تحضر متأخرة!! تنقذ من استطاعت إنقاذه بأساليب زادت من الحدث تعقيدًا!!. المشهد انتهى.. السكون يلف المكان إلا من رائحة الدخان، وأصوات سيارات الدفاع المدني وفلاشات الكاميرات التي تصور الحدث.. وبكاء ونحيب يصدر من بعيد.. رجال ونساء وأطفال. يوم آخر غير عادي.. طابور ممتد من أولياء أمور الطالبات مع بناتهم أمام حجرة المحقق.. تدخل الطفلة ترتجف تسيطر عليها الصدمة والخوف ويُلْجَم لسانها حتى عن التمتمة، والتفكير المشوش إلا من المشهد الحاضر أمامها رفيقاتها ومعلماتها اللاتي توفاهن الله، وباقي الصغيرات وهن يلقين بأنفسهن من الأدوار العليا هربًا من وإلى الموت. مرصد.. مديرة المدرسة، المراقبات، المعلمات المناوبات، البدروم مستودع لمخلفات المدرسة، جرس الإنذار المعطل، مخارج الطوارئ، خطط الإخلاء، دور أدوات السلامة في الدفاع المدني (طفايات الحريق التي لم يُسجل عليها حتى تاريخ الانتهاء، السلالم - بطانيات ضد الحريق - أجهزة قص الحديد - ستر النجاة - طائرات إنقاذ تحمل الحالات فردا فردا!!؟؟.. أين نحن من كل ذلك!!؟؟ نتمنى أن يشملها التحقيق.!!!