في وقت تتصاعد فيه الأحداث بمصر، من مطالبات بتنحي المجلس العسكري الحاكم، وتشكيل حكومة إنقاذ وطني ظهرت بوادر الاستجابة لها بتكليف المجلس العسكري للجنزوري لرئاستها واختيار أعضائها، واندلاع اشتباكات مع قوات الأمن، يعود الوضع الاقتصادي ليثير كثيراً من المخاوف مجدداً، وسط تزايد الشكوك حول إمكانية إجراء الانتخابات التشريعية في موعدها، رغم تأكيدات بعدم تأجيلها. ولعل أهم تلك المخاوف، كما عبر عنها خبراء اقتصاديون تبرز من أن الاقتصاد يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالوضع السياسي ويؤثر فيه كما يتأثر به، كما يُعتقد أن «المال» سيكون أحد العناصر الفاعلة في رسم الخريطة السياسية المستقبلية في مصر، من خلال أول انتخابات برلمانية، بعد الإطاحة بنظام الرئيس السابق، حسني مبارك، قبل أكثر من 9 شهور. وبعد قيام عدد من الأحزاب والقوى السياسية بتعليق حملاتها الانتخابية، في أعقاب الأحداث الأخيرة التي شهدها ميدان التحرير، خاصةً الشوارع المؤدية إلى مبنى وزارة الداخلية، ودعوتهم إلى تأجيل الانتخابات، حذر الخبراء من أنه إذا ما صدر قرار بتأجيل الانتخابات، سيكون ذلك بمثابة «مأساة» على الاقتصاد، الذي تأثر بشكل كبير نتيجة «غموض» المرحلة الانتقالية. الدكتور هاني سري الدين، عضو المجلس الرئاسي لحزب «المصريين الأحرار»، والرئيس السابق لهيئة سوق المال، قال إن الانتخابات ليس لها تأثير مباشر أو بمعزل عن الأوضاع التي تمر بها البلاد، فالوضع الاقتصادي متأثر بعدم الاستقرار السياسي، ووضوح الرؤية للإصلاح. واعتبر سري الدين وجود حكومة إنقاذ وطني تكون مخولة لتسيير الشؤون السياسية والاقتصادية، والبدء بإجراء الانتخابات البرلمانية، ووضع الدستور الجديد، ثم إجراء الانتخابات الرئاسية، خطوات أولى لتعويض ما وصفه ب»الخلل»، الذي حدث في البلاد منذ تسعة أشهر. غير أن الخبير الاقتصادي أكد أن إجراء الانتخابات في ظل حالة الانفلات الأمني، تزيد من مخاوف إثارة البلطجة، وما قد يترتب عليها من إحجام المواطنين على الذهاب إلى لجان الاقتراع للإدلاء بأصواتهم، مما يؤثر على حيادية العملية الانتخابية والإصلاح، وبالتالي التأثير على الوضع الاقتصادي ككل. وأشار سري الدين إلى انخفاض حجم الإنفاق على الانتخابات للمرشحين بسبب الظروف الاقتصادية والسياسية غير المستقرة في البلاد، وقال إن حزب المصريين الأحرار علق الحملات الخاصة بمرشحيه بعدما أنفق ما يقرب من 13 مليون جنيه، فضلاً عما أنفقه المرشحون أنفسهم، لأسباب تتعلق بغموض إجراء الانتخابات في موعدها، والمخاوف من البلطجة. كما اتخذت أحزاب وقوى سياسية أخرى النهج نفسه، ومنها حزبا الوفد والتحرير المصري اللذان أعلنا عن توقف حملات الدعاية لمرشحيهم بالانتخابات، على خلفية الأحداث الأخيرة، التي وقعت في محيط وزارة الداخلية. من جانبه، قال أيمن رفعت، محلل مالي بمجموعة «نماء» لتداول الأوراق المالية، إن إجراء الانتخابات في موعدها وبصورة حضارية دون بلطجة أو تزوير، هو السبيل الوحيد لتحسين الوضع الاقتصادي، لإيجاد نوع من الاطمئنان للمستثمرين بوجود مسؤولين يستطيعون اتخاذ قرار بناء عما يختاره الشعب. وأضاف رفعت أن عدم إجراء الانتخابات في موعدها سيشكل «مأساة حقيقية»؛ لأنها ستزيد من حالة الغموض الاقتصادي، وعدم ثقة المستثمرين بإطالة أمد الفترة الانتقالية، وبالتالي استمرار الخسائر وتراجع البورصة، والتي هي مؤشر لما يحدث في البلاد. وألمح رفعت إلى انخفاض إنفاق مرشحي الانتخابات على الدعاية مقارنة بمواسم الانتخابات السابقة، وقال إنهم لم يتخطوا حجم الإنفاق، والذي حددته اللجنة العليا للانتخابية بنصف مليون للمستقل، و4 ملايين للقوائم، كما أشار إلى اتجاه بعض المرشحين لعمل مسيرات انتخابية، وعقد مؤتمرات شعبية غير مكلفة، كما لوحظ انخفاض حجم الملصقات واللافتات الانتخابية للمرشحين بالشوارع.