تصدرت الإجراءات المتعلقة بالانتخابات البرلمانية المصرية، قائمة مواضيع الحوار أو الجدل السياسي بين المعارضة والحزب الوطني الديموقراطي الحاكم، إذ تركز الحديث في الساحة السياسية عن ضمانات ونزاهة تلك الانتخابات، بدءاً من إعداد قوائم الناخبين (نحو 40 مليون ناخب)، إلى إعلان النتائج، مروراً بآليات الدعاية، والإنفاق على الحملات الانتخابية، ومدى تدخل الجهاز الإداري الحكومي في مجريات المعركة الانتخابية، وضبط العمل داخل اللجان الانتخابية، وخارجها وعملية التصويت، وفرز الأصوات، بينما تراجع الحديث إلى حد ما عن البرامج السياسية للمرشحين (أحزاباً ومستقلين) وخططهم لخدمة ناخبيهم، وهو ما فسره سياسيون وخبراء قائلين: «إن مقتل العملية الانتخابية يكمن في الإجراءات»، وأوضحوا أنه لا يوجد اتفاق حتى الآن بين المعارضة والحزب الحاكم على ضمانات واضحة ومحددة لتنظيم انتخابات نزيهة، بالإضافة إلى غياب الرقابة المدنية المحلية والدولية للعملية الانتخابية. وحين يتطرق البعض إلى الحديث عن مشاركة منظمات مدنية خارجية في مراقبة الانتخابات، يتحسس الحزب الوطني وبعض القوى أسلحتهم لمواجهة «التدخل الأجنبي». ذلك على رغم أن الحزب الوطني ذاته يشارك في رقابة الانتخابات في أكثر من دولة. وأكدوا في لقاءات متفرقة مع «الحياة» أن سلامة الإجراءات هي التي تؤكد وجود انتخابات من عدمه، وتحدث ممثلون لأحزاب رسمية عن «الصفقات في الانتخابات المحتملة»، بالنظر إلى «رغبة» بعض الاتجاهات في تغييب جماعة الإخوان المسلمين، عن الساحة السياسية الرسمية من خلال البرلمان، نافين بشدة أن تكون أحزابهم جزءاً من هذه الصفقات، في حين وصف حقوقيون حديث الصفقات، بأنه «كلام غير موضوعي»، وقالوا «إن الصفقات قد تكون مطلوبة شكلياً فقط لاستكمال الشكل الديموقراطي وتأكيد أن هناك تعددية سياسية في البلاد». وأشاروا إلى أن المعركة بين الحزب الوطني الحاكم، وأحزاب المعارضة «غير متكافئة أصلاً» كي يتم عقد صفقات، لكن فريقاً ثالثاً يرى أن الصفقات قائمة في كل انتخابات أجريت في مصر منذ عام 1924، حتى الآن، ولم يستبعدوا أن تكون جماعة الإخوان ذاتها طرفاً في صفقة انتخابية جزئية في هذه الدائرة أو تلك. رسمياً أصدر الرئيس المصري حسني مبارك قرار جمهورياً دعا فيه الناخبين إلى انتخاب أعضاء مجلس الشعب يوم 28 تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، ليتشكل بعد ذلك برلمان جديد يقود البلاد لمدة خمس سنوات أخرى. ويكتسب برلمان 2010 2015 أهمية خاصة بالنظر إلى أنه سيشرف على الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها نهاية العام المقبل، ويُسمي المرشحين في تلك الانتخابات. وعلّق الباحث والخبير في «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» ضياء رشوان، وهو مرشح حزب التجمع اليساري المعارض في دائرة أرمنت في الأقصر (جنوب مصر) على الصفقات الانتخابية المحتملة قائلاً: «إن موضوع الصفقات قائم بطبيعة الحال في كل الانتخابات، وهو يتم عادة بين حزب كبير وآخر صغير، وقد تكون الصفقات كلية، تشمل الدوائر كافة، أو جزئية تقتصر على دوائر معينة». وعن تركيز المعارضة على إجراءات العملية الانتخابية، على حساب البرامج السياسية للمرشحين قال: «إن مقتل العملية الانتخابية ما زال يكمن في الإجراءات المتعلقة بها»، ولذلك تركز المعارضة على الإجراءات خشية استخدامها في اتجاه لا يعكس مجريات العملية الانتخابية، خصوصاً أنه لا يوجد اتفاق حتى الآن بين الحزب الوطني وأحزاب المعارضة على ضمانات نزاهة الانتخابات. وأكد رشوان تحفظه على أي رقابة خارجية للانتخابات المصرية، لكنه في المقابل دعا منظمات المجتمع المدني إلى القيام بعملية رقابية واسعة للانتخابات، وطالب الحكومة بالموافقة على تفعيل تلك الرقابة من خلال النص عليها قانوناً وعدم تركها لقرار اللجنة العليا للانتخابات. وتعليقاً على الفجوة الواسعة بين اهتمامات المواطن (الناخب) الذي يسعى إلى تحقيق مصالح شخصية ضيقة، مثل توظيف أبنائه، أو الحصول على ترخيص لبناء منزل، وبين تركيز الناشطين السياسيين على إجراءات العملية الانتخابية، والبرامج السياسية، قال ضياء رشوان: «إن هذه الفجوة مستمرة في مصر منذ زمن طويل بعد أن فقد المواطن إمكانية الحصول على حقوقه الاقتصادية والاجتماعية المنصوص عليها في القانون، فلجأ إلى طلب وساطة نائب البرلمان لدى الجهات الحكومية، في حين أن الحصول على تلك الحقوق يمر بالسياسة مباشرة وتحديداً من طريق العملية الانتخابية، حين يذهب ذلك المواطن ويختار مرشحه بحرية ويدافع عن اختياره». وشدد رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان حافظ أبو سعدة على أن البرامج السياسية ستكون موجودة وبارزة ويتصدر الحديث عنها المشهد السياسي حين تكون هناك «انتخابات أصلاً»، مشيراً إلى أن افتقار الضمانات الحقيقية لإجراء عملية انتخابية سليمة يجعل المعيار هنا ليس أصوات الناخبين، وقال إن المصريين لديهم تاريخ مع الانتخابات «غير المريحة». وعن الصفقات المحتملة في الانتخابات الحالية قال أبو سعدة: «لا أؤمن بأن هناك صفقات لأنها انتخابات سابقة التحضير، شعارها غياب التكافؤ بين الحزب الوطني وأحزاب المعارضة، لكن الأول قد يعطي منحة لهذا الحزب أو ذاك لتعزيز الشرعية الدستورية، وإظهار أن هناك ديموقراطية وتعددية سياسية، وبغرض الإبقاء على أحزب المعارضة على قيد الحياة بالتنفس الاصطناعي، وليس بالوجود الحقيقي في الشارع السياسي». وعن رفض الرقابة الحقوقية الدولية والمحلية للانتخابات علق أبو سعدة قائلاً: «إن فكرة التدخل الأجنبي كلمة حق يراد بها باطل، فلا أحد يقبل المساس بسيادة مصر، فقد دفعنا ثمن تلك السيادة بدماء شهدائنا على مر التاريخ، ونحن نتحدث هنا عن آلية دولية لرقابة الانتخابات، وليس عن تدخل أجنبي، وإذا رفضتم تلك الآلية، لماذا لا تقبلون الرقابة الكاملة للمنظمات الحقوقية المحلية، ولماذا ترفضون أن يكون وجود الأحزاب داخل اللجان الانتخابية إلزامياً»؟ ووصف أبو سعدة الحديث عن تركيز الناخبين على مصالحهم الشخصية الضيقة والانصراف عن الاهتمام بالبرامج السياسية للمرشحين، بأنه «جنون» و «كلام عيب»، وأضاف: «إنهم يريدون تسويق هذه الصفة وإلصاقها بالمواطنين حتى لا يتعاطى الناشطون السياسيون والمرشحون مع الساحة السياسية». واعترف الناطق بلسان الكتلة البرلمانية للإخوان المسلمين حمدي حسن بأن تركيز القوى السياسية على الإجراءات الانتخابية «أمر واقع» لأننا نريد انتخابات نزيهة، ولا توجد انتخابات نزيهة من دون ضمانات منصوص عليها في القانون، لماذا يرفضون رقابة الانتخابات؟ ولماذا لا يسلمون الناس بطاقاتهم الانتخابية؟ لك أن تعلم أن الناخبين الذين بلغوا سن ال 18 في آذار (مارس) الماضي لم يتسلموا بطاقاتهم الانتخابية بعد؟ ولماذا لا يتم الاعتماد على بطاقة الرقم القومي في إدلاء المواطن بصوته؟ كل هذا لا يبشر بالخير في ما يتعلق بنزاهة الانتخابات، وفي الوقت ذاته أغرقت الحكومة المواطن في مشاكل البطالة والغلاء وخلافه حتى يقضي كل وقته في البحث عن حلول لمشاكله الشخصية، لكن عطاء نواب الإخوان ال 88 في برلمان 2005 2010 وقبل ذلك عطاء نواب الجماعة ال 17 في برلمان 2000 2005 ساعد على فتح مدارك المواطنين ووعيهم بمصالحهم وكيفية حل مشاكلهم. واعتبر حسن أن إعلان مسؤولين كبار في الحزب الوطني أن جماعة الإخوان لن تحصل على مقاعد في البرلمان المقبل ينبئ بتزوير الانتخابات، وإلا أين تذهب أصوات ناخبينا التي أوصلت 88 نائباً إلى البرلمان الحالي؟ وعموماً فإن السؤال الآن هو: هل يحافظ الشعب على طهارة الصناديق التي تحمل أصواته أم ستنجح الحكومة في تزوير إرادته؟ وتابع قائلاً: ستحصل الجماعة على عدد من المقاعد في البرلمان المقبل وفقاً لقدرة الشعب في الحفاظ على طهارة صناديق الانتخاب. ويرى النائب الأول لرئيس الحزب الناصري سامح عاشور أن المعارضة المصرية تمتلك فرصة حقيقية لمنافسة الحزب الحاكم في الانتخابات إذا تم تطبيق إجراءات تضمن سلامة العملية الانتخابية، وتساءل: ما قيمة الحديث عن برامج سياسية في ظل غياب ضمانات نزاهة الانتخابات؟ وقال إن كل الأدوات المتاحة أمام المرشحين حتى الآن هي جهد ذاتي في مواجهة إجراءات شرطية (أمنية)، وضغوط إدارية. ورفض عاشور فكرة الرقابة الخارجية على الانتخابات، وقال: لست معها، ولا أتحمس لها لأن الجهات التي تقوم بها تفتقد المصداقية وإذا كانوا صادقين فلماذا لا يمارسون دورهم في فلسطين؟ إنني أرى الحديث عن الرقابة الدولية هو حديث ساذج وسطحي، نحن نناضل ضد الحكومة ونطالبها بالموافقة على الرقابة الداخلية. وعن إمكان عقد صفقة مع الحزب الوطني قال عاشور: إن حديث الصفقات ممنوع لدينا لأنه أمر غير مطروح، فليس لدينا أية إمكانية لعقد صفقات انتخابية مع أحد. وعما إذا كان ابتعاد الإخوان عن البرلمان المقبل «أمراً محسوماً» قال عاشور: لا شيء محسوماً حتى الآن ولا أحد يستطيع تحقيق كل ما يريده في شكل مطلق مهما فعل. ويرى رئيس حزب التجمع اليساري رفعت السعيد أن وجود جماعة الإخوان في البرلمان المقبل سيتقلص لأن نفوذ الجماعة تقلص، وسيتراجع وجود الإخوان أكثر إذا تم تطبيق لوائح الانتخابات في ما يتعلق بقواعد ومستوى الإنفاق على حملات الدعاية الانتخابية، وكذلك ما يتعلق باستخدام الشعارات الدينية لأنهم يعتمدون على الإنفاق الكبير على دعايتهم، وعلى الشعارات الدينية. وأشار إلى أن اللجنة العليا للانتخابات حددت مبلغ 200 ألف جنيه حداً أقصى للإنفاق على الدعاية الانتخابية. ونفى السعيد وجود صفقة بين «التجمع» والحزب الوطني قائلاً: هذا الأمر غير مطروح بالنسبة لنا على الأقل لأن كل صفقة يقابلها ثمن ونحن ليس لدينا استعداد لدفع ثمن أي صفقة سياسية. ولفت إلى أن المعركة الانتخابية لم تبدأ بعد، إذ أن قرار الرئيس مبارك بدعوة المواطنين لانتخاب أعضاء مجلس الشعب الجديد يوم 28 تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، يتبعه قرار لم يصدر بعد من وزير الداخلية يدعو المرشحين إلى تقديم أوراقهم لمدة أسبوع ويعطي فرصة خمسة أيام للطعن، وإعلان القوائم النهائية للمرشحين ويتبقى بعدها 28 يوماً للمعركة الانتخابية. وعن مدى امتلاك أحزاب المعارضة أدوات خوض معركة انتخابية حقيقية، تساءل السعيد: وهل نحن نلعب؟ في المقابل أكد الحزب الوطني الديموقراطي الحاكم في بيانات وتصريحات للعديد من مسؤوليه تفهمه لمطالب المعارضة، وتأييده لها بحسب ما يتفق مع القانون الحالي لمباشرة الحقوق السياسية الذي تطالب المعارضة بتعديله. وشدد مسؤولو الحزب الوطني على مبدأ الشفافية في إجراء العملية الانتخابية، ونفوا بشدة عقد صفقات مع أي قوة سياسية في البلاد، قائلين: لسنا مع الصفقات ولسنا في حاجة إليها». يذكر أن الرئيس مبارك أصدر أخيراً قراراً جمهورياً دعا فيه الناخبين إلى انتخاب أعضاء مجلس الشعب يوم 28 تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، ليتشكل بعد ذلك برلمان جديد لمدة خمس سنوات، ويكتسب برلمان 2010 2015 أهمية خاصة بالنظر إلى أنه سيشرف على الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها نهاية العام المقبل، ويُسمي المرشحين في تلك الانتخابات. ويبلغ إجمالي أعضاء مجلس الشعب 454 نائباً يتم انتخاب 444 منهم من طريق التصويت المباشر، ويقوم رئيس الجمهورية بتعيين 10 نواب آخرين، يضاف إليهم 64 مقعداً تم تخصيصها قانوناً للمرأة في إطار ما عرف ب «كوتا المرأة»، ليصبح عدد نواب البرلمان المصري 518 نائباً، وهي المرة الأولى التي يتم فيها تخصيص «كوتا» لفئة من فئات الشعب، لكن محامين معارضين طعنوا بدستورية القانون الذي سمح بتخصيص تلك المقاعد للمرأة، مستندين إلى أن القرار يخل بمبدأ المساواة الذي نص عليه الدستور المصري. ويهدف قانون «كوتا المرأة» إلى دعمها في الوصول إلى القدرة على المنافسة في الانتخابات، وتقتصر مدة سريان ذلك على فصلين تشريعيين أي برلمان 2010 2015 وبرلمان 2015 2020. ويبلغ عدد الدوائر البرلمانية 222 دائرة يمثل كل دائرة نائبان، أحدهما عمال والآخر فئات. ووفقاً لتشكيل برلمان (2005 - 2010) فإن الحزب الوطني الحاكم يسيطر على غالبية مقاعد البرلمان (311 مقعداً)، تليه جماعة الإخوان المسلمين (88 مقعداً)، ونحو 24 مقعداً للمستقلين، و6 مقاعد لحزب الوفد، واثنان للتجمع، ومقعد واحد لحزب الغد.. وتم تأجيل انتخاب 12 نائباً لأسباب أمنية وقانونية. ولم تزد نسبة المشاركة في آخر انتخابات تم إجراؤها في مصر عام 2005 على 23 في المئة من الناخبين البالغ عددهم 36 مليون ناخب.