نعيش هذه الأيام في رحاب اطلالة العام الهجري الجديد ، وهي مناسبة تستحق ان نقف عندها لنتذكر الهجرة النبوية الشريفة ، لنتعلم منها الدروس ونعلمها لأولادنا ، لأنها حدث كبير من اهم احداث تاريخنا الاسلامي ، ونقلة مهمة انتقل بها المسلمون من الضعف الى القوة ، ومن الظلم والاستبداد الى العدل والمساواه ، وانطلقت بموجبها الدعوة الى رحاب واسعة يذكر فيها اسم الله . ويرى كثيرون ان تأريخ الهجرة هو التأريخ الحقيقي لتأسيس الدولة الاسلامية ، ونقطة انطلاق فاصلة لماجاء بعدها من احداث ، فقد كان العرب قبل الاسلام يؤرخون بأحداث مختلفة ، مثل عام الفيل ، ويوم الفجار، وحلف الفضول ، وبعد الهجرة وفي السنوات الأولى ارخ المسلمون بالأحداث التي وقعت خلالها ، فاطلقوا على السنة الأولى سنة الإذن ، والسنة الثانية سنة الأمر ، وعلى السنة الثالثة سنة التمحيص ، والسنة الرابعة سنة الترفئة ، والسنة الخامسة سنة الزلزال ، والسادسة اطلقوا عليها سنة الاستئناس ، والسابعة سموها سنة الاستغلاب ، والثامنة سنة الفتح ، والتاسعة سميت بسنة البراءة ، وسميت ايضا بسنة الوفود ، والسنة العاشرة سميت بسنة الوداع ، وكانت فيها حجة الوداع ، الى ان وفق الله سبحانه وتعالى سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه الى اتخاذ العام الذي هاجر فيه صلى الله عليه وسلم بداية للتأريخ الاسلامي . ولكني ارغب ان اشير في هذه المناسبة الى شيء مختلف اصبحنا نحس به نحن الآن بعد مضي الف واربعمائة واثنين وثلاثين سنة ، وهو ان هذا الحدث اصبح يجسد لنا مجموعة مشاعر نعيشها في كل عام ، فهو يأتي بعد موسم الحج الغني بالعطايا والمنح الربانية التي نسعد بها كنقطة انطلاق يراجع كل منا فيها ما اسلف وماقدم في العام المنصرم ، وماوفقه الله اليه من خير ، وهي ايضا مناسبة لعقد النية على ان يحمل ما اكتسبه من خير الى عامه الجديد والاستمرار فيه ، ومناسبة للتوبة والاستغفار والبدء بترك كل ما اسرف فيه على نفسه مما لا يرضي الله سبحانه وتعالى ، وهي مناسبة يمكن تشبيهها بالحساب الختامي السنوي للمسلم اذا اخذه بجدية واستشعر فيه فضل الله سبحانه وتعالى . اما احداث الهجرة التي عاشها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وما بعدها فهي مليئة بالدروس والعبر التي يجب ان نعلمها لأولادنا ، والوقوف على ماكان فيها من جهاد ومعجزات اجراها الله سبحانه وتعالى على يد رسوله اكراما له صلى الله عليه وسلم وتثبيتا لنا وتعريفا بقدره عند ربه وهو قدر لايمكن ان يعلم الانسان مبلغه مهما اجتهد إذ لا يعرف قدره صلى الله عليه وآله وسلم الا خالقه سبحانه وتعالى الذي انزله هذه المنزلة وجعله اكرم خلقه وقال عنه في محكم آياته : }وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ{ . وستظل الهجرة الى يوم الدين درساً عظيماً للأمة الاسلامية في الثقة بالله عز وجل ، وصدق التوكل عليه والاقبال على منهج وسنة نبيه الكريم ذي القدر العظيم صلى الله عليه وآله وسلم لتكون نبراسنا ودليلنا في كل اعمالنا ، واسأله سبحانه وتعالى ان يكتب لنا من فضله في هذه الأيام مع اطلالة العام الهجري الجديد وان يوفقنا لما يحبه ويرضاه وصلى الله وسلم على خير من هاجر سيدنا ونبينا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم اجمعين .