وبدأنا عاماً هجرياً جديداً حري بنا وبكل مسلم ان يتوقف عند هذه المناسبة العظيمة وذكرى الهجرة النبوية الشريفة التي كانت فتحاً مبيناً للرسالة وانطلاقاً للدعوة المباركة لنبي الرحمة المهداة نحو بناء امة عظيمة لتكون خير امة اخرجت للناس تقوم على شرع الله ودولة الاسلام واعلاء كلمة الحق في كل اصقاع الارض. فخلال اربعة عشر قرناً رأينا اين بلغ الاسلام ارجاء المعمورة يعمر النفوس بالخير والعدل والرحمة، فدخلوا طوعاً وايماناً في هذا الدين العظيم رغم كل مظاهر التحديات والحروب الصليبية.. واليوم يحاول الحاقدون والموتورون وصف ديننا ووصف امتنا بالارهاب وديننا وامتنا منه براء، لذلك على الامة التحصن والتفاعل الحضاري وتقديم النموذج الأمثل للامم في الاخلاق والتقدم، ففي ذروة الازمة الحالية التي يعيشها العالم لا يزال الاسلام على انتشاره واتساعه. قال تعالى: "يريدون ان يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون". هذا هو حال الامة اليوم والذي يدعوها الى التبصر ووحدة الصف والهجرة الى الله وهذا الدين العظيم والتمسك بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها، ولكن لا تصلح الامة دون ان تصلح ذاتها ومجتمعها، وهل تصلح المجتمعات الا بصلاح افرادها واسرها؟. ان المسلم مطالب بأن يستقرئ معاني هذه المناسبة الجليلة مناسبة الهجرة النبوية الشريفة، وكيف نصر الله نبيه الكريم وصاحبه قال تعالى "إلا تنصروه فقد نصره الله اذ اخرجه الذين كفروا ثاني اثنين اذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا"، وهذا هو الدرس الاول للهجرة النبوية الشريفة، فالله صادق وهذه لمن آمن بالله ثم استقام، وعمل صالحاً واخذ بالاسباب وان تكون محبته لله ولرسوله خالصة، قال صلى الله عليه وسلم: "انما الاعمال بالنيات وانما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته الى الله ورسوله فهجرته الى الله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها او امرأة ينكحها فهجرته الى ما هاجر اليه".. وهكذا اذا كان العمل خالصا لله يقصد به الانسان وجه ربه وحده قبله الله منه. إن ما يحزن حقاً أن تجد انساناً طوال العام لاهياً مشغولاً وزيف زينتها، وقال تعالى "والباقيات الصالحات خير عند ربك ثواباً وخيراً مرداً"، والأكثر اسفاً أن نجد البعض يسوف التوبة ويؤجلها الى مناسبة كأن يقول انني سأتوب وسأستقيم بعد الحج او في رمضان أو أول العام الهجري الى اخر المناسبات التي قد يرى فيها تاريخاً وموعداً لحياة سوية، ولكن هل يدري كم من العمر بقي، وهل يضمن اذا طلع عليه نهار ان يجن عليه ليل، واذا عاش ليلاً هل يضمن ان يطلع عليه نهار؟ قال تعالى: "فاذا جاء اجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون". تزود من التقوى فإنك لا تدري إذا جن ليل هل تعيش الى الفجر فكم من صحيح مات من غير علة وكم من سقيم عاش حيناً من الدهر وإذا كان المسلم مدعواً الى الاستقامة وتقوى الله في السر والعلن والطاعة، فان العقلاء هم الذين يحرصون على اغتنام المناسبات الاسلامية ليوقفوا عندها ويتدبروا في معانيها ودلالاتها، فمن يقرأ التاريخ لا يستفيد من حاضره، ولا يفهم واقعه ومستقبله، ومن لا يقرأ جيداً هذه المناسبات العظيمة لا يستزيد من الخير ويحرم نفسه من الخير لتقوية العزيمة، فالهجرة في معناها كما قال اهل العلم انما هي حركة مستمرة في حياة الانسان.. هجرة في كل لحظة من النفس الامارة بالسوء ومن سوء العلاقات والمعاملات ومن الكبر والغرور والتعالي، ومن الاعتزاز بالدنيا الفانية.. الخروج من أعراض الدنيا بالهجرة الى رحاب الايمان ونور اليقين والتقوى والطاعة لله ولرسوله، لذلك ليست الهجرة مجرد حدث تاريخي، انما علامة فارقة بين الحق والباطل، وهو ما يجب ان يعيه المسلم بأن يتدبر هذه المعاني في حياته للفوز بالدارين. وكل عام والجميع بخير ونسأل الله التقى والهدى والعفاف والصلاح والغنى في النفس. حكمة: قبورنا تبنى ونحن ما تُبنا... ياليتنا تُبنا من قبل أن تُبنى بقلم: مصطفى محمد كتوعة