* يؤثر فيك مشهد (ما)، تتألم وأنت تستحضر كل مشاعرك وتتابعه، أدق التفاصيل تستثيرك. حالة من الوجع تسكنك، تشعر وكأنك تعيش المشهد أكثر مما تشاهده!! وما أكثر المشاهد المأساوية في حياتنا هذه الأيام!! * في المقابل ترى (نقيض) المشهد تماماً، تغضب، تتعصب، تستشيط غيظا، تفرك عينيك، تشد شعر رأسك، تضغط على يديك، حالات استنزاف لأعصابك ومشاعرك وأنت ترى هذا (النقيض) المثير! * تأخذك قناعة بأن المسافة ما بين المأساة ونقيضها هي فعل يحمل ذات المسافة بين الوجع والتوجع! وأحيانا أخرى (النقيض) أكثر وجعا وأشد وطأة لأن نقيض المشهد مربوط بأصله!! * وحياتنا هي فى حقيقتها مجموعة من المتناقضات.. فرح وحزن، ضحك وبكاء، فقر وغنى، خير وشر. هذه النقائض مبنية أساسا على المفارقات في سلوكياتنا كبشر!! * أول أمس الجمعة تابعت مجموعة من نوعية تلك المشاهد التي تجعلك تقف فوق حد السكين وتكاد تختنق وأنت ترى وجهين مأساويين لا تدري أي ملمح منهما يستثيرك أكثر!! * في (جمعة الشهيدات) باليمن شيع اليمنيون في مظاهرات حاشدة (تفاحة تعز). * تلك المرأة التي قضت نحبها برصاص القناصة وهي تقود النساء الثائرات في ساحة التغيير، مشهد التشييع كان مثيرا والأكثر إثارة هي سقوطها على الإسفلت قتيلة وهي تتلوى مضرجة بدمائها والنسوة من حولها يكبرن ويحاولن حملها إلى مكان آمن بعيدا عن (الرصاص)، مشهد محزن لم أملك متابعته، حاولت أن أهرب منه. * في قناة أخرى يمنية مع الأسف كانت تغني (يالحمام المسرول) في جلسة طرب رومانسية، الرجال والنساء يرقصون ويتثنون ويبتسمون للكاميرا، وكأنهم يعيشون في كوكب آخر ولا يعنيهم مشاهد الدم والقتل والدمار التي تعيشها بلدهم!! يا لمهانة الإنسان حين تتبلد مشاعره وحين يتحول إلى مجرد دمية!! في المقابل مشهد فتاة الأربعة عشر ربيعا التي أصيبت بجراح خطيرة ومن على السرير الأبيض تردد (مهما كان الثمن فالعزة لله ثم للوطن)!! يا لروعة هذه الفتاة الصغيرة ويا لعظمة الأرواح حين تتعلق بسمو الأهداف!! * في (جمعة طرد السفراء) بسوريا أثارني مشهد تشييع طفل لم يتجاوز الرابعة في مشهد مهيب، وكان وجهه (كشقة) قمر وهو محمول على الأعناق، وكأنه يرسم لوحة البياض ما بين تراب الوطن وأديم السماء ومن خلفه ثكالى يقبرن حزنهن في فيوض دموعهن ويحاولن أن يتغلبن على أوجاعهن بأنفاسهن الثائرة!! في مشهد آخر نساء شبة عاريات يعشن أحلام (الوسادة الخالية)!! شيء مقزز وتأبى نفسك في قمة أوجاعها أن تقارن ما بين المشهدين لكن هذا ما يحدث في (زمن الانكسار)!! * المشاهد المتناقضة في قلب الربيع العربي التي تتعبك حتى متابعتها كثيرة، لكن لضيق المساحة ورغبة في (تنويع) ملامح الرؤية سأنتقل إلى مشاهد من نوع آخر أحزنتني كثيرا كثيرا!! هذه ليس لها علاقة بمشاهد الرصاص ولكنها قد تكون أكثر إيلاما منها!! إنها مشاهد الفقر المدقع التي تجعل الإنسان يعيش حياة أشبة بالموت. شاهدت مقطعاً يبدو أنه عرض في برنامج (دوائر) في قناة الإخبارية. مسنة جاوزت السبعين من عمرها تقف في مشهد حزين أمام بوابات إحدى الجمعيات الخيرية هذه المسنة تبكي وتبكي وهي تردد للمذيع بصوت مبحوح «وين أروح»..؟! وتضيف لدى 5 بنات مطلقات وكل واحدة منهن لديها أربعة وخمسة أطفال إضافة إلى زوجة ابنها المتوفي تستلم هذه المسنة 700 ريال وتقول: «وين أروح بها»؟ للماء؟ للكهرباء؟ للسكن؟ للمصاريف؟! تخيلوا كل هذه الأسئلة الصعبة على قلب مسنة لا حول لها ولا قوة؟!! هذه المسنة قالت كلمة أدمت قلوبنا، قالت في إجابة للمذيع أنا هنا أبحث عن أي شيء من الجمعية اسكت به جوع عيالي، خبز؟ رز؟ وحتى إن شاء الله لحم حمير؟! قالتها بكل مرارات الدنيا؟! أما الموجع فإنه مشهد (النقيض) لأحد (السناكيح) وهو يحيى ليلة في أحد الملاهي العربية. أتدرون ماذا فعل هذا (السنكوح)؟! غانية جالسة على أريكة (مشخلعة) من كل جانب غطى جسدها بأكوام الدولارات!! تخيلوا كم الدولارات التي ستغطى جسم غانية؟ لا أعرف تحديداً ولكني أثق بأنها ستسد جزءاً من جوع أمثال تلك المسنة.!! * وقرأت عن ذلك الذي فكر في بيع أحد أطفاله وفكر في الانتحار في المنطقة الشمالية. في الوقت الذي يقف (سنكوح) آخر في أحد الملاهي الليلية وحوله خمسة من الرجال كل واحد منهم يحمل مجموعة من (رزم) الدولارات و(السنكوح) يأخذ منهم وينثر على الراقصة وعلى كل حضور الملهى! * المشهد استمر فترة طويلة حتى تعب من يلتقط ومن يلم (النقطة) ولن أسألكم ثانية كم يكفي هذا من سد أفواه الجوعى؟! * مفردات الألم في هذه المشاهد لا تكمن في مجرد الإساءة لنا في الخارج وحسب، ولكنها في تجرد هؤلاء (السناكيح) من مسؤولياتهم الدينية والأخلاقية والمجتمعية! هؤلاء أشبة (بالقراد) وجهه قبيح ولا يعيش إلا على مص الدماء!