يعجب بعضنا من حال الطواغيت التي أبت إلاّ أن تذيق شعوبها سوء العذاب قبل أن ترحل.. كيف لا يتعظ هؤلاء من أحوال من سبقوا من الغابرين من أمثال فرعون وقيصر وكسرى، ومن المحدثين من أمثال مبارك وزين العابدين ومعمر. ولكن هؤلاء ليسوا بدعاً ممن سبق ممن أعمى الله بصيرتهم وطمس على قلوبهم وأضاع عقولهم، وانظر إلى حال هؤلاء الذين يصف الله غباءهم وقلة عقلهم إذ أتوا النبي عليه الصلاة والسلام فقالوا له: أرنا الملائكة يشهدوا بأنك رسول الله، أو ابعث لنا بعض موتانا حتى نسألهم أحق ما تقوله أم باطل؟ أو ائتنا بالله والملائكة قبيلا، أي كفيلا على ما تدعيه، فنزل قوله تعالى: (ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قُبُلا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله ولكن أكثرهم يجهلون). هنا يبين الله عزّ وجلّ أنه لو أعطاهم ما طلبوه من إنزال الملائكة وإحياء الموتى حتى كلموهم، بل لو زاد في ذلك ما لا يبلغه اقتراحهم بأن يحشر عليهم كل شيء قبلا، ما كانوا ليؤمنوا إلاّ أن يشاء الله. أما أصحاب التحدي فهم خمسة من فطاحلة قريش الذين ضُربت على قلوبهم غشاوة قاتمة: الوليد بن المغيرة والعاصي بن وائل السهمي والأسود بن عبد يغوث والأسود بن المطلب والحارث بن حنظلة. هم كمن لحقوا بهم من بعدهم ما اعتبروا ولن يعتبروا، حتى لو تكشفت لهم حجب الغيب، فرأوا مصيرهم الأسود ونهايتهم البشعة. هم يتبعون الهوى ويتعلقون بأهداب الوهم ويسلكون سبيل الظلم والجور والكذب، ويستمعون لأصحاب المصالح والأهواء من حولهم ممن لا يروق لهم النزول عند رغبة الشعوب التي طال ليلها واشتدت جراحها ونفد صبرها. ولأن صفتيْ العُنْجُهية والغرور لازمتان ملتصقتان بهؤلاء الطواغيت، فلا أحسب أن الرهان على رحيل أي من هؤلاء بسلام واحترام وارد، فهو رهان خاسر على كل حال. وعليه، فعلى الشعوب أن تحزم أمرها، وتربط على قلوب أبنائها، وتدرك أن الطريق طويل محاط بالأشواك والألغام، ومفروش بالمخاطر والآلام. لا تعجبوا من تصرفاتهم، ولا تتوقعوا منهم خيرًا.