قبل حوالى عقد ونيف من الزمن، اصطحبني أحد زملاء الدراسة في الولاياتالمتحدة في مركبته الخاصة لزيارة متحف قرية تامبيكو في ولاية إلينوي (160 كلم في الغرب من مدينة شيكاغو) التي وُلد فيها الرئيس الأمريكي الراحل رونالد ريغان، وخلال الطريق السريع المؤدّي إلى تلك القرية، وقع نظري على لوحة تحذيرية توضّح أن الطريق مراقب برادار تحديد السرعة، وهو ما دفعني لتنبيه زميلي بعدم تجاوز السرعة النظامية، فما كان منه إلاَّ طمأنني بردٍ عجيب: «لا تخف عزيزي فأنا محصَّن بحجاب سحري يعزل أشعة الليزر التي تلتقط السرعة»!! بالطبع لم يقصد صديقي عملاً شعوذيًّا -والعياذ بالله- ولكن ما قصده هو تقنية «طلاء الحجاب الشبح» (Veil Stealth Coating) المخصصة لعزل أشعة رصد السرعة لأكثر من 15 ثانية لتُهدي قائد المركبة فرصة جيدة لإعادة التحكم في سرعة المركبة قبل أن يحدد الرادار سرعته، وهي واحدة من عشرات التقنيات «النظامية» المسموح استخدامها في الولاياتالمتحدة، وكندا، والهدف منها بحسب إفادة الشركات المنتجة هو تنبيه السائق إلى عدم تجاوز السرعة القانونية، أو تدارك ذلك، وتجنب الحصول على مخالفة، بالإضافة إلى حماية السائق والمركبات المحيطة من مخاطر تجاوز السرعة القصوى التي صُنّفت في السنوات الأخيرة ضمن أكثر عشرة مسببات لحوادث السيارات على مستوى العالم. وفي أوروبا على سبيل المثال، فإن أجهزة ال GPS التي توضح الخرائط الجغرافية للمدن عبر رصد الأقمار الصناعية، تُضاف لها خاصية «نظامية» تكشف لقائد المركبة مواقع أجهزة كاميرا رصد السرعة، وتعمل على تنبيهه برسائل صوتية: «احذر أمامك كاميرا تقصّي السرعة على بعد 1 كلم». وفي شأننا المحلي، فإن النقاش حول نظام (ساهر) والمستنسخ «نوعيًّا» من تلك الأنظمة المبتكرة غربيًّا، والذي ربما من ضمن أكثر المواضيع التي تداولها إعلامنا منذ الشروع في تفعيل هذا النظام، ولكن استمرارية تطور وتواتر الأحداث المتعلقة بهذا النظام بشقيها السلبي والإيجابي لا تجعل متابعة النقاش في هذا الشأن موضوعًا مستهلكًا بتاتًا، فبالأمس القريب تمادت الاعتداءات على «ساهر»، حتى وصلت إلى حد القتل، حيث أطلق مجهول الرصاص على إحدى سيارات ساهر العاملة على طريق (الرياض - الطائف) السريع يوم الثلاثاء الماضي 8 نوفمبر بحسب ما نشرته (الرياض) في اليوم التالي من الواقعة، وتسبب في احتراق المركبة، ومقتل موظف «ساهر» الشاب «حمود الميمون». في 15 سبتمبر الماضي، تساءلتُ هنا في صفحة الرأي: «هل (ساهر) يعتبر حلاً؟!»، نسجتُ خلالها تحليلاً استشهدتُ فيه بدراسات بحثية، ونماذج من التجربة الغربية لهذه التقنية، والتي بلغت أكثر من خمسين عامًا منذ تنصيب أول كاميرا لرصد السرعة في هولندا عام 1960م، وكانت الإجابة «الجزئية» التي توصلت إليها -آنذاك- تكمن في أن نظام «ساهر» من الصعب تقييمه في ظل عدم صدور إحصائيات رسمية من مصلحة الإحصاءات العامة في هذا الشأن منذ 2009م، نستطيع من خلالها إعداد دراسات تقود إلى إجابة السؤال الذي تناوب على الاجتهاد في إجابته الكثيرون ممّن لا ناقة لهم ولا جمل في هذا المجال. ولكن هناك قرائن منطقية وفعلية يتّضح من خلالها حقيقة واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار، وهي أننا استقدمنا هذه التقنية من الغرب، ولكن نفذناها بآلية داخلية استنبطت من نفس الأنظمة المرورية التي لم تُحدَّث على مدار 36 عامًا إلاّ مرة واحدة فقط في 26/10/1428ه، حتى وصل الحال بنا في السنوات الماضية إلى وقوع حوالى سبعة آلاف قتيل سنويًّا جراء الحوادث المرورية، وإصابة قرابة 32 ألف فرد، الأمر الذي يكلف الدولة 21 مليار ريال سنويًّا، بتكلفة تعادل ثلاثة أضعاف ما يتم إنفاقه على قطاعي التعليم والصحة سنويًّا. في الغرب، ينظر لتقنيات كشف رادارات السرعة، ومواقع الكاميرا على أنها وسائل لتفادي تجاوز السرعة، وبالتالي وحتى لو جزئيًّا يتم تجنب السرعة الزائدة لحماية أكبر قدر من الأبرياء، وتدريجيًّا يعتاد المتهورون على تخفيف السرعة، لذلك تباح هذه الوسائل التي نمنعها نحن؛ لأن المعتقد السائد لدينا أن هذه الوسائل هي أدوات للتحايل ليس أكثر، والغريب في الأمر، هو أن آليتنا في تطبيق «ساهر» تعتمد على الحيلة بالتخفّي خلف الأشجار، وزوايا الطرقات المظلمة للإيقاع بالمخالف من دون شعوره بذلك، حتى «يتفاجأ» بعد عدة أيام باستلام رسالة نصية بالمخالفة، كما حصل لرئيس اللجنة الفنية للسلامة المرورية بأرامكو، عندما استقبل رسالة نصية تفيد رصد مخالفة سرعة من نظام ساهر حسب ما نشرته (اليوم) في 15 نوفمبر، وهي آلية لم تنفذ بهذا الشكل في الدول التي جلبنا، أو استلهمنا منها هذه التقنية. يبدو أن «حمود الميمون» الذي قُتل وهو يؤدّي عمله، رحل ضحيةً لعدة جناة، أحدهم متهور أراد أن ينتقم من نظام أخطأ أهدافه في ضبط وتقويم سلوكيات مرورية خاطئة، وجانٍ آخر حاول استنساخ تجربة غربية قيّمة، ولكنه نفذها بطريقته ومكتسباته في الشأن المروري، ونظرته المستقلة عن العالم في فهم هذه التقنية وتسخيرها. «ساهر».. ربما كلاكيت المرة الألف، ولكن كُتب هذا الموضوع من دون تشنج، ولم يحصل كاتب هذه السطور -ولله الحمد- على أي مخالفة من «ساهر»، ولكن ربما أحد الدوافع، أنه من الممكن أن يتفاجأ أحدهم برسالة نصية متأخرة على هاتفه الخلوي تفيد برصد مخالفة «سرعة»، ولكن بعد فوات الأوان، أو بعد أن يكون كاتب الموضوع، أو أحد الأبرياء دفع ثمنًا باهظًا. تويتر: TrueFact76