أبْعد من طواف البيْت الحمد لله الذي تفضل على عباده المسلمين، بتطهير القلوب، وغفران الزلات، وتبديل الحسنات إلى سيئات، ومنّ عليهم بشعائر فيها تهذيب سلوكهم البشري، وضبط أخلاقهم الإنسانية، تكريسا لقوله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّما بُعِثتُ لأُتمّم مَكَارِمَ الأَخْلاَق»، وتزامنا مع اجتماعهم على مناسك واحدة، والتزامهم بنمط سلوكي متناسق، في إطار إيماني متكامل، ومشهد مَهيب، يُعز الله به أمته، ويُباهي به ملائكته. لكنّ الملاحظ على بعض المسلمين، اقتصار عباداتهم على أدائها البدني، وترداد اللسان، إذ كيف يمكن تفسير انتشار البدائية في السلوك، وعدم التزام بعضهم بالأخلاق المحمودة أثناء اجتماعهم على شعائر غاية في الرقي الإنساني، وانتهاج عدد منهم، منهجا لايعكس قُدسية المكان ولا الزمان ؟. ومتى يرتقي كثير من المسلمين بعباداتهم الحِسّية، إلى مراتبها المعنوية، ويُدركون مقاصدها الشرعية، فيتعلّمون الرفق والحُلْم، ويزاولون التواضع والسكينة، ويتجنبون الغِلظة والغيبة، ويلتزمون بالذوق السليم في تواصلهم، والسلوك القويم في تعاملاتهم ؟!. من المتفق عليه أن من مقاصد حجّ بيت الله الحرام، أن تتحول شعائره إلى منهج حياة، تخضع معها الجوارح، وتسكن بها النفوس، وترتقى بمقتضاها الأخلاق، ويُترجم بها المعنى إلى عمل، وتقوى الله إلى سلوك، وأدب النبيّ الكريم، إلى واقع ملموس، يحض المسلمين على خفض الجناح لبعضهم، والبُعْد عن الفحشاء والمنكر، ويشجعهم على الالتزام بالأنظمة الاجتماعية والقوانين المدنية المُنَظِّمة لعلاقاتهم، ليرتقوا فكريا وعلميا، بعيدا عن التنابز بالألقاب، والقدح في الأنساب، والسقوط في مستنقع التخلف الحضاري. إن من كمال دين المسلم في هذه المناسبة السنوية الجليلة، أن يتوب عن إيذاء جيرانه، ويُوفي بوعده، ويؤدّي أمانته، ويصل من قطعه، ويكفّ عن ظُلم من ولاّه الله أمرهم، وأن يخالق الناس بخلق حسن، ويحرص على إتقان العمل كما يُحب الله ويرضى، ويبادر بالمعروف والإحسان، كما أن من تمام النّعمة، أن يستحي المسلم من أن يحجّ إلى الله بدنُه، ولا يحجّ إلى الله قلبُه. [email protected]