لم يعد الحج مجرد مؤتمر عالمي يجمع المسلمين يؤدون من خلاله نسكًا سنّها لهم نبيهم الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، بل انتقل ليكون مجالًا رحبًا للأطروحات العلمية والبحوث المعمّقة، ليس في المملكة العربية السعودية فقط بل في العالم أجمع، في محاولات جادة لدراسة هذا الركن العظيم من أركان هذا الدين القويم من جوانب شتى وبطرق مختلفة. ومن المشاهد تسابق عدد من الجهات الحكومية إلى القيام بمجهودات بحثية ودراسات علمية وعملية، إضافة إلى ما تقوم به من جهود ميدانية يلمسها كل من يؤدي هذه الفريضة. ولعل من أبرز الجهات التي تبذل جهدها في هذا المجال هي وزارة الحج، وذلك من خلال عقدها ل (ندوة الحج الكبرى) السنوية ولمدة تجاوزت ثلاثين عاما. ومن اللافت أن الندوة تطرح في كل عام موضوعًا علميًا متعلقًا بالحج ويُدعى لها باحثون من شتى أصقاع العالم، حتى باتت ظاهرة علمية عالمية يُشار إليها بالبنان، فالعلماء والأساتذة والمفكِّرون يأتون من أوروبا وإفريقيا وآسيا، يُقدِّمون أطروحات رصينة وبحوثًا علمية تُعدّ إضافة لمكتبة الحج وإثراء علميًا للمكتبات بشكل عام. وفي تصوري أن انتقال الحج ليكون مجالًا للطرح العلمي والفكري يُحسب لجهود الوزارة، وديدنًا يفترض أن تقتدي به الوزارات الأخرى، فالعالم الآن يرمقنا بأبصاره، ويترقب كيف لنا أن نفيد من هذا الركن بما يثري العلم ويفيد منه طلاب العلم في العالم أجمع. وقد اختتمت أمس في مكةالمكرمة ندوة الحج الكبرى، بعد افتتاحها يوم الثلاثاء الماضي بحضور 173 ضيفًا وفدوا من 31 دولة وقدّموا 51 بحثًا، تم طرحها في 11 جلسة علمية، كانت تُعقد صباحًا ومساءً في حراك علمي بهيج وتداولات ومداخلات ثرّة تنبئ عن فكر راقٍ وعلمية فريدة تصب في النهاية لإحاطة الحج بما يستحقه من الدراسة والبحث العلمي. ويبدو أن القائمين على الندوة وعلى رأسهم معالي وزير الحج د. فؤاد الفارسي وأمينها العام أ. د. هشام العباس قد أرادوا أن تصل الندوة لعالمية أشمل فكان العنوان: «مواكب الحج في التراث الإسلامي.. دروس وعبر»، فكانت البحوث متنوعة ومن كل أصقاع العالم. ولك أن تتصور -عزيزي القارئ- أنك تجول في مواكب من شتى أصقاع العالم وترى تلك الجموع وهي تفد إلى الحج، ومن ثم ترى الآثار التي تركوها والإثراء العلمي التي كانت نتيجة ذلك القدوم سواء كان علميا أو لغويا أو معرفيا، لتزداد إدراكا لقيمة هذا الركن وآثاره. وبودي أن تُعقد هذه الندوة بالتناوب بين مكة والمدينة بحيث تعقد عامًا هنا وآخر هناك، فهذا - في تصوري - سيزيد من قيمة البحوث وتوسيع موضوعاتها وتنوع بحوثها. وكم كان من غير اللائق غياب الدور الإعلامي عن هذه الندوة التي كان يفترض أن تحظى بتغطية قوية نظير ما حوته من موضوعات وما ضمته من جلسات، ولا سيما ونحن نعيش أيام الحج، وكان من المتوقع أن تتسابق كل الجهات العالمية والمحلية وبوسائلها المختلفة لتغطية الندوة؛ فهي تشكل مادة إعلامية قيّمة تنقل الحج من المحلية إلى العالمية، والمرجو أن تقوم وسائل إعلامنا بدورها المأمول لتغطية مثل هذه الفعاليات المهمة إلى جانب اهتمامها وتغطيتها للأنشطة الأخرى.. فهل تفعل؟! بطاقة معايدة: في هذه البطاقة وفي هذا اليوم المبارك (يوم التروية) أستغل الفرصة لكي اسأل الله أن يتقبل من الحجيج حجهم وأن يجعله مبرورًا، وأن يتقبل من لم يحج معهم، سائلًا المولى للجميع عيدًا سعيدًا وعمرًا مديدًا، وكل عام والجميع ينعم بالصحة ويرفل بالهناء.