كيف بقي المربع فارغًا مع وجود كل هذه الأمثلة التي هي غيض من فيض؟! في القرآن الكريم آيات كثيرة تتضمن كلمات فيها ياء مكسورة مشددة في وسط الكلمة أو في آخرها يبدأ كتاب لغتي للصف الثاني الابتدائيِّ، الفصل الأول (1432/1433ه) بجداول تقدم أمثلة لكلمات تتضمن حروف (الألف باء) في تسلسلها المعروف، تشمل أمثلة كل حرف الحالات الحركية الثلاث الفتحة والكسرة والضمة ثم السكون. وعلى الطالب أن يقوم بمهارة تجريد الحرف من الكلمة مع كتابة الحركة، أو يتعرف الكلمة المناسبة من الكلمات المرافقة للحرف الذي حددت حركته في المربعات داخل الجدول، أو يأتي بالكلمة من محصوله المعرفيِّ. وهذا التدريب مناسب وجيِّد في تحريك أذهان الطلاب للبحث عن المعلومة المطلوبة، وتثبيتها في مكانها. الجداول التي سارت بسلاسة انكسرت بحرف الياء المكسورة! فلم يجد مؤلف الكتاب الكلمة المناسبة، وترك المربع الخاص مظللا فارغا في الصفحة (11) من الكتاب؛ بما يوحي أنه لا توجد في اللغة العربية كلمة بياء مكسورة تكون في أول الكلمة، أو في وسطها، أو في آخرها!. والحقيقة أنني دهشت لهذا الأمر، الذي له دلالات عديدة، أخفها وقعا أن المؤلف لم يكلف نفسه عناء السؤال عما لم يعلمه لسبب لا يعرفه غيره..!. لقد دفعني هذا الأمر إلى التفكير للحظات إن كان حقا لا توجد كلمات في اللغة العربية بياء مكسورة!، فإذا هي من الكثرة بحيث لا يغتفر تجاهلها، وقد قمت باستخراج جملة من الكلمات من المعجم الوسيط. وتقع الكلمات التي فيها ياء مكسورة في سياقات قياسية وسماعية. 1- الياء المكسورة في سياقٍ قياسيِّ: - كل كلمة تلحقها ياء النسب المشددة في آخرها، ويكون عاملها الجر بالكسرة بحرف الجر، أو الإضافة، أو التبعية للمجرور قبلها.. مثل: (ينتقل الطفل في عمره التعليميِّ من التمهيديِّ، إلى الابتدائيِّ، ثم الإعداديِّ، ثم الثانويِّ، وبعضهم يذهب إلى التعليم الجامعيِّ، ويفضل آخرون الدخول في السلك الوظيفيِّ أملًا في تأمين راتب معيشيٍّ مناسب) وهكذا فالكلمات التي تضمنت في آخرها ياء النسب المشددة في هذه العبارة جاءت مجرورة بكسرة ظاهرة مرسومة تحت الياء منفصلة عن الشدة، وهذه تصلح لهذه المرحلة، والمعروف كتابتها فوق الحرف تحت الشدة هكذا: ِّ. - كل كلمة بوزن فَعِيل مثل (كَرِيم، حَمِيد، جَمِيل، رَبِيع) إذا صغرت تدغم فيها ياء التصغير الساكنة مع ياء فعيل وتكسر، فتصير (كُرَيِّم، حُمَيِّد، جُمَيِّل، رُبَيِّع)، أو على وزن أفعل قبل آخرها ياء مثل (أَبْيَض، أَبْيَن، أَهْيَب) فتصغر على (أُبَيِّض، أَبَيَّن، أُهَيِّب) وغيرها مما في حكمها. - كلمات مثل (كتاب، سحاب، عماد، زياد) فتصغر على (كُتَيِّب، سُحَيِّب، عُمَيِّد، زُوَيِّد) وغيرها مما حكمها. 2- كلمات في غير هذا السياقِ القياسيِّ، يمكن عدها سماعية، وهي خاضعة لعوامل صرفية ليس هنا مجال توضيحها، ومنها: - كلمات مثل: (جيِّد، سيِّئ، طيِّب، هيِّن، خيِّر، قيِّم، نيِّئ، بيِّن، أيِّم، ميِّت) تكون الياء فيها مشددة مكسورة في وسط الكلمة. - كلمات مثلِ: (حيٍّ، ريٍّ، خليٍّ، شجيٍّ، نديٍّ، رضيٍّ، سقيٍّ، هديًّ، ثديٍّ) والتي تكون فيها الياء آخر الكلمة مشددة أو غير مشددة، إذا وقعت في سياق إعراب الجملة مجرورة بالكسرة الظاهرة بعامل من عوامل الجر التي سبق ذكرها. كما في المثل العربيِّ المشهور: (وَيْلٌ للشجيِّ من الخليِّ!). - كلمات مثل: (معايِش، مبايِض، معايِب، مطايِب، مضايِق، مصايِف، مُبايِن، مقايِيس، معايِير، ملايِين، مكايِيل، أطايِب، أحايِين). - أفعال ثلاثية فيها ياء مكسورة مثل (أيِس: يئس، عيِط: طال عنقه، غيِد: تمايل وتثنى في لين، غيِس: نعُم ولان، غيِف: الإنسانُ لان جوانبه، غيِنت: الشجرةُ التفت أغصانها ونعم ورقها) وغيرها.. - كلمات مثل: (آيِب، آيِل، آيِس). و(آيِس) بمعنى يائس، وقد ورد الفعل من الكلمتين في حديث خطبة حجة الوداع بروايتين في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (...فَإِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ «أيِسَ» أَنْ يُعْبَدَ فِي أَرْضِكُمْ...) و(...إن الشيطان قد «يَئِس» أن يعبد في أرضكم هذه...)، وفي دعاء السفر (آيِبون تائبون حامدون لربنا عابدون). وفي القرآن الكريم آيات كثيرة تتضمن كلمات فيها ياء مكسورة مشددة في وسط الكلمة أو في آخرها، منها: قال تعالى: (وجعلنا لكم فيها معايِش ومن لستم له برازقين) الحجر: 20 - قال تعالى: (والطيِّبت للطيِّبين والطيِّبون للطيِّبت) النور: 26 - قال تعالى: (قال ربك هو عليَّ هيِّن) مريم: 9 - قال تعالى: (وتخرج الحيَّ من الميِّت) آل عمران: 27 - قال تعالى: (فيها كتب قيِّمة) البيِّنة: 3 - قال تعالى: (في أيِّ صورة ما شاء ركبك) الانفطار: 8 وغيرها من الآيات التي لا يتسع المجال لاستقصائها. وسورة (البيِّنة) مما حفظها الطلاب في الصفِّ الأولِ الابتدائيِّ، وفي الكلمة ياء مشددة مكسورة. فكيف -إذًا- بقي مربع الياء المكسورة فارغا مع وجود كل هذه الأمثلة التي هي غيض من فيض؟!. وما أكثر ما يردد المعلم كلمة (جيِّد) التشجيعية للطلاب! وهي تتضمن ياء مشددة مكسورة. قد يكون إيجاد كلمة ثلاثية فيها ياء أصلية مكسورة أصعب من إيجاد كلمة فيها ألف مفتوحة، أو واو مضمومة، ولكن كما رأينا ليست بالدرجة التي تجعلنا نترك التمثيل عليها!. فأرجو تدارك هذه الملحوظة سريعا بالطريقة المناسبة. أما المثال الذي لم أجده فهو الياء المكسورة في أول الكلمة، فهل لديكم مثال على ذلك؟! وتحيةٌ (طيِّبة) للمعلمين والطلاب في بداية عامهم (الدراسيِّ). *أديب وكاتب