لئن كان للتقاعد من العمل -بعد عمر طويل- مشكلاته، وانعكاساته، وآثاره التي غالبًا ما تكون سلبية، خاصة على أولئك الذين لم يصنعوا لأنفسهم بديلاً نافعًا يشغل أوقاتهم، ويملأ فراغهم، ويهذب -بعد الكبر- بعض طباعهم، فإن للموت -وهو نهاية الحي على الأرض- رهبته التي ترعب، وهيبته التي تطغى، وآثاره التي قد تبقى، أو لا تبقى. في أسبوعنا المنصرم، كانت أخبار الموت منطبعة على الأذهان في عالمنا العربي عامة، وفي بلادنا خاصة، فقد رحل القذافي غير مأسوف عليه، تاركًا وراءه جبالاً من الآثار السلبية المفزعة، في حين رحل الأمير سلطان، والقلوب عليه باكية لما ترك من آثار حسنة في حياته، ستظل -إن شاء الله- باقية. ومع كل هذا الانطباع المفزع الذي يتركه الموت في تفكيرنا وأذهاننا وحياتنا، فإن ثمة آخرين ينظرون إليه من زوايا أخرى، أحسبها جديرة بالتأمّل والتدبّر. وهذا المفكر سيد قطب يكتب في أفراح الروح عن الموت، فيقول موجّهًا الخطاب إلى شقيقة له: (إن فكرة الموت ما تزال تخيّل لك، فتتصورينه في كل مكان، ووراء كل شيء، وتحسّينه قوة طاغية تظل الحياة والأحياء، وترين الحياة بجانبه ضئيلة واجفة مذعورة. إنني أنظر اللحظة فلا أراه إلاّ قوة ضئيلة حسيرة بجانب قوى الحياة الزاخرة الطافرة الغامرة، وما يكاد يصنع شيئًا إلاّ أن يلتقط الفتات الساقط من مائدة الحياة ليقتات!.. مد الحياة الزاخر هو ذا يعج من حولي! كل شيء إلى نماء وتدفق وازدهار.. الأمهات يحملن ويضعن، الناس والحيوان سواء، الطيور والأسماك والحشرات تدفع بالبيض المتفتح عن أحياء وحياة.. الأرض تتفجر بالنبت المتفتح عن أزهار وثمار.. السماء تتدفق بالمطر، والبحار تعج بالأمواج.. كل شيء ينمو على هذه الأرض ويزداد! الشمس تطلع، والشمس تغرب، والأرض من حولها تدور، والحياة تنبثق من هنا ومن هناك.. كل شيء إلى نماء.. نماء في العدد والنوع، نماء في الكم والكيف..! من قوة الله الحي... تنبثق الحياة وتنداح!!) فعلاً الحياة أقوى من الموت!