أمس الثلاثاء ودّع الوطن بأسره أحد أهم وأعز رجالاته الأمير سلطان بن عبدالعزيز رحمه الله.. جلل السواد فضاءنا المجتمعي بفقده، وعم الحزن القلوب، والعقول، والأسر، والمدن، والطرقات.. فمثل سلطان لا يسكن إلاّ القلوب، ومثل سلطان لا ينام إلاّ في الأحداق.. ومثل سلطان لا تغيبه الأيام فخلوده في النفوس أبدي. في رواية لصديق كان حاضرًا المجلس العام للأمير سلطان -رحمه الله- وكان لأحد كبار السن طلب ضم ابنه إلى الكلية الحربية، فتقدم من الأمير مع غيره من أصحاب الحوائج، ولمّا لم يكن مؤهل الابن يعطيه الحق في دخول الكلية، أشار عليه الأمير قبوله في المعهد الفني للقوات الجوية، إلاّ أن المسن لم يرضَ.. فعاود المطالبة بعد أن جلس على كرسيه، وبصوت مرتفع، مناديًا الأمير -يرحمه الله- ب «أبوخالد»، لم يتضايق الأمير أبدًا من ارتفاع الصوت، بل -بحسب رواية الصديق- رد في عطف: «قلتُ لك أقبله في المعهد.. أمّا الكلية فلا أستطيع»، فردّ المسن: «أنت سلطان تستطيع أن تأمر»، وبنفس الروح السمحة، أعاد الأمير -رحمه الله- قوله للمسن: «أزين لك يروح المعهد». وعلى مائدة العشاء، وبعد أن اقتنع المسن بفرصة ابنه في المعهد، نادى على الأمير بقوله: «يا أبوخالد خلّه يروح المعهد»، فكانت إجابة الإنسان العطوف الأمير سلطان: «الآن وافقت ما قلت لك من قبل»؟! * هذا الحوار الإنساني الراقي لا يستطيعه أيّ فرد. فكثير ممّن وهبهم الله السلطة، أو المال، أو المكانة يتعالون على أصحاب الحاجات، ناهيك عن العاملين معهم.. ولهذا عندما يتركون مناصبهم، أو تقل أموالهم ينفضّ الناس عنهم، ولا يذكرونهم بخير أبدًا. والأمير سلطان -رحمه الله- كان من القلة النادرة، أصحاب النفوس السامية، التي تحتل القلوب والعقول، وتخلد في ذاكرة الناس بعطفه ومعاملته لهم.. وهذا ما ظهر في الكم الهائل من الحزن الذي ساد الوطن.. وحق للوطن وأهله أن يحزنوا، فالفقيد «سلطان العز» رحمه الله، وأسكنه فسيح جناته.