مساء الجمعة الماضية وفي ردهات الدور الرابع عشر في مستشفى نيويورك التذكاري كان الحزن العميق يغلف الأجواء.. المآقي تزدحم بالدموع التي ينجح بعضها في التسلل والانسياب على الأوجه.. ولكن الطابع العام هو الهدوء والسكينة والإيمان بقضاء الله والتسليم لإرادته.. في إحدى الصالات كان يجلس الأمير سلمان بن عبد العزيز، الرجل الذي أعاد تعريف معاني الوفاء وقيمه.. الرجل الذي لم يغادر المستشفى الذي كان يتلقى الأمير سلطان بن عبد العزيز فيه الرعاية الصحية طوال أربعة أشهر إلا مرتين.. مرة لعيادة الأمير محمد العبد الله الفيصل والأخرى عندما توجه إلى الرياض لأيام قلائل ليتلقى العزاء في زوجته الراحلة (أم فهد) يرحمها الله.. وجود الأمير سلمان وتماسكه في وجه مصاب وفاة أخيه الأمير سلطان كان مصدراً للطمأنينة ومبعثاً للراحة في نفوس الحاضرين.. بعد قليل يطل الأمير خالد بن سلطان وقد تجلت مظاهر الألم والحزن على وجهه ولكنه يقف بشموخ معبراً عن مشاعر شعب قادر على تحمل الصعاب واستلهام العبر من سيرة العظماء والسير على دربهم والاقتداء بنهجهم.. كان الحزن يخيم على الجميع ولكنه الحزن المتوج بالكبرياء والعزيمة والإرادة بمواصلة المسيرة.. حزن أمة لسان حالها يقول: إذا مات منا سيد قام سيد قؤول لما قال الكرام فعول لقد كان الأمير سلطان بن عبد العزيز رجل دولة.. وكان أميراً ووزيراً وقائداً عسكرياً وسياسياً مرموقاً ولكنني أكاد أجزم أن أحب ما يمكن أن يعرف به الأمير سلطان هو أنه كان تجسيداً للإنسانية.. من ينسى حديثه الأبوي البسيط للصبي المعاق الذي كان الأمير يحمله ويداعبه بحنان حتى أن هتف الصبي ببراءة الأطفال قائلاً: « أنا احبك « فأجابه الأمير « وأنا والله أحبك «.. ومن ينسى إطلالته البشوشة وابتسامته المضيئة التي كانت تزين وجهه حتى في أحلك الظروف وأصعبها وكأن ابن أبي سلمى لم يقصد سواه حين قال: تراه إذا جئته متهللاً كأنك تعطيه الذي أنت سائله ولقد كان الأمير سلطان إدارياً فذاً شاهدته عن كثب عندما حظيت بعضوية مجلس إدارة المؤسسة العامة للصناعات الحربية قبل حوالي عشرين عاماً، ومنذ ذلك الحين والأمير يشرفني بمناداتي بلقب الزميل مردفاً ذلك بالإيضاح لمن يستوضح أننا كنا زملاء في مجلس إدارة المؤسسة.. كان الأمير يدير اجتماعات المجلس برحابة صدر، لا يسيطر على الاجتماع ولا يستأثر بالحديث فيه ويسعى إلى الاستماع إلى جميع وجهات النظر ولا يكتفي بإعطاء الفرصة لمن يرغب في الحديث بل يذهب إلى حث من لم يتكلم على إبداء رأيه، يجيد الإصغاء ولا يتسرع في الاستنتاج وكل هذه من سمات الإداري الناجح. لئن رحل عنا الأمير سلطان بن عبد العزيز بجسده فإن ذكراه سوف تظل محفورة في ذاكرة التاريخ ومغروسة في وجدان الأمة ومحبته سوف تبقى راسخة في قلوب أبناء وطنه ومحبيه في كل مكان وإن عزاءنا هو في إخوانه وأبنائه وفي وطن لا تزيده الرزايا إلا عزماً ومضاء ولله الحمد من قبل ومن بعد، إنا لله وإنا إليه راجعون.