الكتاب: عين حمئة (رواية) المؤلف: ماجد سليمان الناشر: دار طوى لندن الطبعة الأولى 2011 بدأت الرواية السعودية تتململ من رقادها الطويل، وراحت تكشف النقاب عن الوجه الخفي لعاصمتها الرياض، ذلك الوجه الذي لم يجرؤ أحد من الروائيين على الخوض في تفاصيله، أو الذهاب أبعد من مجرد النظر في الجلباب الأسود الذي يغطيها من قمة رأسها حتى أخمص قدميها. بدأت رجاء العالم المغامرة في: بنات الرياض، وأكمل عبده الخال وآخرون المشوار، ولن يكون ماجد سليمان الأخير بالطبع في مغامرة الرواية السعودية المعاصرة. وإذا تساءلنا بداية: لماذا اختار ماجد سليمان لروايته عنوان: «عين حمئة»؟؟ وهي إحالة قرآنية تعيدنا إلى جزء من قصة ذي القرنين المسرودة في سورة الكهف، ويأخذنا العنوان إلى العديد من التأويلات خاصة بعد الفراغ من قراءة الرواية.. فالعين الحمئة التي كانت تغرب فيها الشمس في حكاية ذي القرنين، هي عين فيها طين أسود أملس، عند المغيب كانت تغرب الشمس فيها كعادتها كل يوم... وهذه دلالة حزن وانكسار وأفول.. وهناك تفسير آخر؛ فقد تكون العين الحمئة هي عين السارد، أو عين بطل الرواية هي العين، وهي العين التي يرى من خلالها السارِد شخوصه وأمكنته، وهنا يغدو الحمأ صفة دالّة على حزن عميق، وكمد عريق، وآلام لا قاع لها، تتجدد مع كل نظرة إلى كل ما يحيط بها من منغّصات الحياة، ومظالمها الكثيرة. ثنائية الرجل، المرأة صارخة بدلالاتها في الرواية.. الرجل منقسم بشكل حاد بين الأبيض والأسود.. فهو إما مقهور منكسر مسحوق يعاني الفقر والمظالم، أو هو جشع منعم ظالم، وبين هذه الثنائية يتحرك صراع الرواية خفيًا في دواخل الشخوص أحيانا، وعلنيًا على شكل تصرفات وأقوال على ألسنة الشخوص أحيانًا أخرى، ومن خلال هذا الصراع المحتدم ينفتح القاع المخبأ للمجتمع السعودي. أما المرأة فهي ذات صبغة واحدة تقريبًا في المجموعة فهي مظلومة، ومغموطة الحق، وخاضعة لقيود المجتمع، لا تتمتع بصفة اعتبارية، فالمثقفة منها فاتها قطار الحياة وهي إما عانس أو مطلقة، والنموذج المنسرح قليلًا خارج قيود المجتمع هو نموذج لنساء قلقات، لا يتمتعن باستقلالية كافية، وعلاقاتهن مع الرجال علاقات ملتبسة، تبدو فيها سطوة طرف على الآخر واضحة، ولا وجود لتكافؤ يذكر في تلك العلاقات. ثمة في الرواية ما يمكن أن نسميه: عقدة اليُتْم، فأغلب الشخصيات تعاني اليتم، وهو أمر لافت للنظر، كونه النواة المركزية التي تنطلق منها أفعال الشخوص، وتصرفاتهم، وهواجسهم. تعاني الرواية من عدد من المشكلات الفنية.. منها على سبيل المثال لا الحصر المقاطع الشعرية أو الحكم والمقولات التي افتتح من خلالها الروائي فصول الرواية، وهي لزوم ما لا يلزم، ولا تقدم لفنية الرواية شيئًا يذكر، على العكس تسيء للسرد، وتبدو فائضة على الأحداث، وعلى السياق الروائي. ومنها مشكلة اللغة المزخرفة بشكل مبالغ فيه، وهي لغة شعرية كلاسيكية تثقل الوصف، وتبالغ فيه دون مبررات فنية تذكر، ومن أمثلة هذه الزخارف المقاطع التالية: «ولأنني لست من الذين يعشقون السباحة في يم المحرمات، ولا من الدجالين الذين يطرزون الأساطير والأكاذيب على رمل حكاياتهم المعفرة في طين الوجل والريبة، ولأنني لا أملك قنطار صفة من كل هذا.. لم أرق لها..........» ص25. «لأسند ظهري إلى جدار الحيرة كاتمًا كرة من النَفَس المغلي خلف أسوار الضلوع، ليعود نصل السؤال مرة أخرى مقتحمًا تساؤلي عنه، لينثر دم الإجابة على سؤال يسري في هشيم الحقيقة.....» ص107. وفي الوصف تنشز بعض التعابير الفائضة، والتي أراها بلا مغزى مثل عقدة البضاعة الوطنية: قماش وطني، خشب وطني، عباءة وطنية الصنع.....الخ الرواية بشكل عام تبشر بولادة روائي قادر على إنضاج الطبخة السردية بتأنٍ أكثر، ولاسيما في سياق الاستفادة من السيرة الذاتية دون الوقوع في فخاخ اليوميات العادية، إذ أن تسخير هذا النمط من الادّكارات في صلب الرواية هو في حاجة لمسحة من الخيال الخلاّق الذي افتقرت إليه الرواية، ومع ذلك فقد قدمت الفصول العشرة لهذه الرواية ما يمكن تسميته بطليعة الكتابة الروائية الناضجة، فقد أبدت تماسكًا، ووحدة بنيوية قوية، استطاع الروائي من خلالها الإمساك بخيوط الأحداث، والانتقال ما بينها بخفّة وحرفنة، مما يبشر بميلاد روائي سعودي جديد، ينضم إلى زملائه الذين خطّوا ملامح الرواية السعودية الجديدة.