المستهلكون يتعرضون لأبشع هجوم كاسح تستخدم فيه كل أساليب التسويق والإعلان المشروع منه وغير المشروع، ولا رقيب على هؤلاء إلا ضمائرهم -إن كانت هناك ضمائر لديهم- لاسيما وقد عرفوا أن جمهوراً من الناس لا يستهان بعددهم مصابون بردود أفعال متنوعة للكآبة، والتوتر النفسي وحالات القلق فيجد بعضهم أن المتنفس الوحيد هو الشراء فيشتري سلعاً لا حاجة له بها سوى إغراء السوق، وتأثير الدعاية والإعلان، وبالرغم من تحفظي على أن نسبة المتأثرين تصل إلى 82% حيث لا يوجد ما يمكن قياسه، إلا أننا نتفق أن معدلات المدمنين على الشراء في تزايد مستمر ولا يوجد ما يكبح جماحهم، بل إن هناك من الجهود التي تبذل من المنتفعين لزيادة عدد المدمنين على التسوق وأسهمت البنوك في هذه المهمة من خلال تشجيعها للمستهلك للحصول على بطاقة ائتمان وبلغ هذا الأمر حداً لدى بعض البنوك لتقديم البطاقة حتى لمن ليس له رصيد بنكي، بل أعفتهم من رسوم إصدار البطاقة لمدة عام أو عامين، فأقبل الكثير من السذج على استحواذ هذه الأنواع من البطاقات ووقع في الكمين الذي أعد له من حيث لا يدري حيث تم الاستفادة من مرضى إدمان التسوق لدى غالبية الناس وتعزيز شهوة الشراء، ومقولة سيدنا عمر بن الخطاب لابنه عبدالله عندما رآه ذاهباً إلى السوق فسأله لمَ أنت ذاهب فقال: خرجت للسوق لأشتري لحماً لأني اشتهيته فكان جواب أمير المؤمنين: (أكلما اشتهيت شيئاً اشتريته!!). إذاً ما الذي يوقف هذا السباق المحموم على الشراء وكيف تكبح شهوة الفرد على الشراء لاسيما إذا علمنا أن من القوم من لا يستطيع شراء الحد الأدنى من متطلباته. لم يبق سوى تهذيب النفس وترويضها على الرضا والقناعة لاسيما وأن بعض القيم التجارية السائدة تشجع على الاستهلاك وليس لدينا ما يحمي هؤلاء المغفلين حتى القانون لا يحميهم، إذاً نحن في حاجة لإشاعة ثقافة تقنين المشتريات وترويض النفس على عدم الانسياق وراء شهوة الشراء وضحايا الشهوة ملأوا المحاكم والسجون بقضاياهم وأحدثوا خللاً اجتماعياً وشروخاً نفسية عميقة لأسرهم وضحايا المساهمات العقارية وسوق الأسهم كثر، وأتمنى من الشركات التي لم تسقط في الوحل أن تسعى لتعزيز الدراسات البحثية للإسهام في وعي المستهلك وأن تستهدف حتى طلاب المدارس بدءاً من المرحلة الثانوية والجامعية، فترك الأمور على عواهنها في هذا الجانب يغرق المجتمع في مزالق يصعب النهوض منها، وأحسب أن جهات عديدة في وسعها أن تسهم في هذا الإطار وفي مقدمتها وسائل الإعلام المسموع والمقروء والمرئي لكن الأمر يحتاج إلى تضافر جهود كل المخلصين والغيورين على وطنهم ولنتقِ الله، ومن يتقِ الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب. فاكس: 026980564