قد تجد الشاب عاطلًا وانتهى بالكاد من المرحلة الثانوية ولم يكمل دراسته، ولا يغادر مقاهي الإنترنت والمولات التجارية، أو يتوقف عن تضييع الوقت على شاطئ البحر مع أقرانه، ورغم ذلك تجد بحوزته مبالغ مالية تفوق احتياجاته، وتجده مقتنيًا لأكثر من جهاز جوال تجمع في طرزها بين آخر الصيحات، ولقد بلغت شدة حرص الشباب على الجمع بين الأجهزة وقوة انتشارها مبلغًا تحولت معه إلى ظاهرة لافتة، يجد فيها الشباب مجالًا للاستعراض والتباهي الأجوف، «الرسالة» طرحت المسألة على عدد من المتخصصين فعرضوا للأسباب وطرق العلاج في ثنايا التحقيق التالي: بداية أوضح المختص الاجتماعي بجامعة تعز الدكتور عبدالله الشميري أن هناك نسبة كبيرة من شباب الجيل الحالي قد أصيبوا بمرض التعدد في اقتناء التقنية الذي يقوم على إشباع رغباتهم، وأضاف أن لجوء الشباب إلى هذه الممارسات، هو تعرضهم لضغط الجماعة من أقرانهم بعد أن صار الجمع في اقتناء التقنية ظاهرة تجتاح أوساط الشباب بحيث لم يعد مقصورًا على فئة معينة وإنما على جميع الفئات والمستويات الاقتصادية والعمرية والاجتماعية. وبيّن أن هذه الظاهرة بدأت تنتشر مؤخرا وعمرها لا يتجاوز الخمس سنوات ولكنها انتشرت بسرعة عجيبة ويعود هذا الأمر لعدة أسباب من أهمها حب الشباب للاستعراض أمام أصدقائهم باقتناء أكثر من جهاز، وأن فيه مدعاة للإعلان عن المقدرة المالية. التعدد والتغيير وأشار إلى وجود مشكلة أخرى أيضا غير التعدد وهي التغيير، فالبعض يحرص على تحديث جواله طبقا لتتابع الموديلات، هذه وللأسف بها نقاط سلبية جمة وتدل على ضعف ثقافة التربية والتحصيل لديهم وأنهم غير مبالين بالذي يحصل أمامهم وهم لا يطبقوا قاعدة عربية معروفة تفيد بأن (القرش الأبيض ينفع في اليوم الأسود) وهم في تلك السن يحصلون على مبالغ كبيرة لا يكونون بحاجة حقيقية إليها. وأوضح الشميري أن تغيير سلوكيات الناس حول هذه الممارسات تتطلب عقد ندوات وورش عمل لشرح سلبيات هذه الممارسات وتوضيح لآثارها السيئة على الانسجام الاجتماعي وقدرة الاقتصاد على المنافسة. دور الآباء من جانبه أوضح الداعية علي الجابر أن المال نعمة كبيرة جدا يمن بها الله عز وجل على من يشاء من عباده وأنه لا يمكن للشخص أن يأخذ شيئا فوق حاجته إلا توفر لديه الشرط الأول وهو وجود «المال» والتعدد في التقنيات الذي نراه الآن عند شبابنا خاصة ليس من أسبابه الحاجة الماسة لها وإنما البعض نجده يستخدم مثل هذه التقنيات في أمور غير نافعة وغير مفيدة، وقد نجد البعض من شبابنا يستخدم ثلاثة جوالات أحدهم للاستخدام الشخصي مع أصدقائه وأقاربه وآخر يضعه للضحك والمزح وثالث يقوم بتغييره بين فترة وأخرى وللأسف هذا ما يحصل عند البعض. وطالب أولياء الأمور بألا يقوموا بتعويد شبابنا والفتيات على اللعب بالمال منذ الصغر وألا يعودهم على الدلال المفرط الزائد الذي تكون عواقبه مخيبة في المستقبل فهؤلاء شبابنا وفلذات أكبادنا من المفترض علينا ألا نعودهم على أمور خاطئة وسلبية لأنها ستؤثر فيهم سلبا في المستقبل، فبعض الوالدين يعتقد بأنه عندما يمنع ابنه من شيء يريده فإنه يضره بهذا العمل وللأسف هذا كلام خاطئ ومنافٍ للصواب، ولكن الحقيقية عندما يعطي ابنه ما يريد فإنه سيجعله في المستقبل القريب من الخاسرين. وبيّن الجابر أن هناك معالجات عدة نستطيع من خلالها تغيير نظرة الأبناء إلى التعدد التقني وذلك بان نروي قصصا لهم عن شخصيات حققت نجاحات باهرة ومتميزة ومن ضمنهم باعتقادي أحد الوزراء اليابانيين لا يقتني جوالا وعندما سألوه عن السبب أجاب بالحرف الواحد: «لست بحاجة له»، فمن يقارن وزيرا بشاب عادي بلا وظيفة ولديه ثلاثة جوالات؟! سلاح ذو حدين أما عضو هيئة التدريس بجامعة الملك عبدالعزيز الدكتور عبدالله باخشوين فقد اعتبر أن الهاتف المحمول سلاح ذو حدين فهو مفيد في كثير من الأحيان ويسهل أمورًا كثيرة على جميع الناس، ولكنه في الوقت ذاته قد يوجه للشر فيهدم ويفسد ويجلب لصاحبه الخسران والضياع. وأضاف متحسرًا: أصبحنا الآن نرى الشباب والفتيات بل الأطفال أيضًا يقتنون أكثر من هاتف ويتباهون بنوعه وثمنه، وما أن ُيطرح نوع جديد في عالم الهواتف حتى يتهافتون على اقتنائه كما تتهافت أسراب النمل على قطعة سكر، فيا ليتهم يتهافتون على الصلاة في المساجد كما يتهافتون على تلك الهواتف، ونوه بأنه لا يرى أي ضرورة قصوى بالنسبة لشبابنا في اقتناء هذا العدد من الهواتف فالأمر بالنسبة لهم لا يخرج عن كونه نوعًا من البذخ والتباهي فقط. وأوضح أن الزمن الحالي ليس كسابقه ففي الماضي كان هاتف المنزل عصب التواصل بين الناس، وجامع الأسرة على رقمٍ واحد، لكنه تحول الآن إلى قطعة ديكور، يقتصر استخدامه على ربة المنزل في قضاء احتياجاتها، أو لإجراء مكالمة خارجية مع أحد الأقارب، هذا عدا وجوده الضروري في توصيل شبكة الإنترنت على أجهزة الكمبيوتر الموجودة في البيت. والشباب يبررون مسلكهم بالخصوصية والحاجة للاستعراض واللعب مؤيد: يلبي دواعي خصوصيتي ويشبع حاجتي إلى الاستعراض واللعب روان: معظم الشباب لا ينتمى إلى هذه الزمرة التي تأخذ بالتعدد مهند: أعشق مواكبة الموضة ولهذا ألجأ لتغييرها بين فترة وأخرى شرح الشاب مؤيد عبده أنه تخرج السنة الماضية من المرحلة الثانوية وأنه يقتني ثلاثة جوالات اثنان منها من النوع الفخم والغالي والآخر أقل حداثة منهما ويستخدمه في بعض الأوقات، وبرر أسباب مسلكه في الاقتناء بتلبية دواعي خصوصيته والحاجة إلى الاستعراض أمام الأتراب واللعب. أنشطة نافعة من جانبها أوضحت الفتاة روان محمد أن معظم الشباب لا ينتمي إلى هذه الزمرة التي تأخذ بالتعدد، ولا يقتنون الجولات لدواعي الاستعراض والتفاخر أو لتكوين العلاقات مع الفتيات، وعلى النقيض من ذلك يستخدمون الجولات في أنشطة نافعة وعملية. الاستجابة للموضة أما الشاب مهند جميل فقد أوضح أنه مولع بالموضة وأنه سرعان ما يستجيب لمسايرتها في شراء الحواسب الآلية وكذلك أجهزة الجوالات وأكد على ضرورة أن يكون لديه جوال ثابت لا يغيره إلا إذا كانت هناك دواعٍ للعب والمزاح مع الأصدقاء.