في العام 1962م ألقى الرئيس الخامس والثلاثون للولايات المتحدةالأمريكية جون كنيدي خطابًا رسميًا داخل البيت الأبيض ذكر فيه مقولته الشهيرة: «أولئك الذين يجعلون الثورة السلمية مستحيلة، سوف يجعلون الثورة العنيفة حتمية». هذه المقولة أصبحت بمثابة نظرية عملية في عالم السياسة اليوم، وربما من الشواهد على ذلك هي توقعات المحللين السياسيين عن تحول جذري لربيع الثورات العربية التي اندلعت في مختلف أنحاء الوطن العربي منذ مطلع العام الجاري، حيث تشير الآراء إلى أن الشتاء المقبل سوف يشهد وقائع مفصلية حاسمة في سوريا واليمن على وجه الخصوص، في إشارة واضحة إلى بدء قرع طبول الحرب بين تلك الحكومات وشعوبها.. فعلى صعيد الأوضاع في سوريا، من ضمن التقارير السياسية الصادرة مؤخرًا، ذكر المحلل السياسي سيمون تيسدول من صحيفة (الجارديان) البريطانية في مقالته: «المعركة من أجل مستقبل سوريا تدخل مرحلة جديدة أكثر خطورة» بتاريخ 26 سبتمبر 2011، بأن اختفاء الحوار الوطني الحقيقي في سوريا سوف يحول الصراع إلى مرحلة جديدة بالغة الخطورة تتمثل في عسكرة الثورة، حيث إن «سوريا تتحول وبصورة حتمية من الربيع العربي إلى شتاء قاتم خطير». ومن ضمن أهم المؤشرات التي تضمنها تقرير تيسدول عن خطورة تحول إيقاع الثورة نحو العمل العسكري، هي أن الولاياتالمتحدة وبريطانيا وتركيا -التي تقع بالجوار- جميعهم أعلنوا فقدان الرئيس السوري بشار الأسد شرعيته وطالبوه بالرحيل الفوري، إلا أنه بخلاف هذه الخطابات والعقوبات المفروضة فإنهم لا يفعلون ما يوازي تحقيق هذا الهدف. كما أوضح التقرير نقطة مهمة، وهي عدم جدوى الثورة السلمية في سوريا والضغوطات الشعبية في الانتصار على النظام واستشهد على ذلك من طرح المحلل السياسي غاري جامبل في (الفورين بوليسي) بتاريخ 6 يوليو 2011 تحت عنوان: (رجل دمشق الصلب)، والذي ذكر بأنه «للأسف ليس هناك ظروف معقولة في إطار التحول الديمقراطي يمكن أن تشكل خيارًا عقلانيًا لدكتاتور محاصر». وفي الحقيقة، إن الوقائع الحالية المتواترة في سوريا تبرهن شفافية وحقيقة التقارير والآراء التي تتنبأ بتحول الثورة السلمية في سوريا إلى حرب عسكرية غير محمودة العواقب، وذلك لأن البوادر باتت واضحة منذ إعلان العقيد رياض الأسعد انشقاقه مع عدد من الضباط عن الجيش السوري في 29 سبتمبر 2011 معلنًا تأسيس حركة الجيش السوري الحر وهدفها الذي أعلنه العقيد الأسعد «نيل الحرية والكرامة وحماية الثورة ومقدرات البلاد، والوقوف في وجه الآلة العسكرية اللا مسؤولة التي تحمي النظام». بالإضافة إلى إعلان تأسيس المجلس الوطني السوري في إسطنبول في 2 أكتوبر 2011، والذي يضم عددًا من الأطياف منها الإخوان المسلمين في سوريا ولجان التنسيق المحلية والمجلس الأعلى لقيادة الثورة والهيئة العامة للثورة السورية، وهدفه أن يكون إطارًا موحدًا لأطياف المعارضة والحراك الثوري السوري وممثلًا لها في الداخل والخارج، وبدء الشروع في الاعتراف به دوليًا. ولكن على الرغم من أن واقع الأحداث السورية يبدو أنه يحاكي تمامًا نموذج الثورة في ليبيا التي انتهجت إنشاء مجلس وطني انتقالي في إطار شرعي مدعمًا بحركة الثوار العسكرية التي قادها منشقون عن الجيش، إلا أن هناك ثمة فرق جوهري بين ما حدث في ليبيا وما يحدث الآن في سوريا، ويتمثل في محور ما أراد المحللون السياسيون شرحه في غالبية التقارير الصادرة في هذا الشأن وهي الحقيقة الواقعية بأن دولًا مثل سوريا واليمن لا تمثل «خاتم سليمان» بالنسبة لقوى الغرب والناتو، أي أنها لا تملك ثروة تضاهي أكبر مصدري البترول في إفريقيا كما في ليبيا التي تدافع الغرب للدفاع عن شعبها وتسليحه ودعمه بحثًا عن مصالحه هناك. أما على الصعيد اليمني، فإن بوادر انهيار المبادرة الخليجية والمساعي الدولية بسبب تأخر الرئيس علي عبدالله صالح في التوافق مع قوى المعارضة قد يُعجِّل باحتمالية نشوب حرب أهلية غير محمودة العواقب لأسباب لا حصر لها -وهذا بالطبع ما لا نتمناه-، وعلى الرغم من أن ثورة الشباب اليمنية أو ثورة التغيير السلمية التي انطلقت في الثالث من فبراير الماضي وكانت مطالبها الإصلاحية وإسقاط النظام واضحة وتحاكي تمامًا ربيع الثورة المصرية، حيث اعتمدت على الشباب والمسيرات الطلابية التي انطلقت من قلب الجامعات اليمنية واستخدمت تقنيات شبكات التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وتويتر لتفعيل تنظيم الاعتصامات والمسيرات، إلا أن حقيقة الواقع اليمني الغني بالحزبية والمذهبية والنزاعات القبلية أعقد من المطالب الشعبية بسبب كثرة حركات المعارضة التي تتنوع مطالبها «الحقيقية» بين الانفصالي والسياسي والديني، ومن أبرزها الحراك الجنوبي الذي يطالب بأحقيته في الانفصال وإعادة دولة الجنوب العربي أو اليمن الجنوبي، وحركة الحوثيون في الشمال والمتمردة في محافظة صعدة، وحركة اللقاء المشترك لعدد من أحزاب المعارضة، بالإضافة إلى تغلغل القاعدة في مناطق عديدة من اليمن شمالًا وجنوبًا. الشتاء العربي المقبل وحسب المؤشرات الحالية يدل على احتمالية وقوع سيناريو قارس ومؤلم في اليمن وسوريا اللتين لم تلقيا دعمًا دوليًا يوازي حجم التحولات والوقائع المحتملة، ولكن يبقى الأمل في تفعيل المبادرة الخليجية لليمن بدعم دولي، ودفع المجتمع الدولي نحو تبني توجهات المجلس الوطني السوري وقطع الطريق على النهج الإيراني الروسي في دعم الحكومة السورية.