مَن يقلّب صفحات الماضي التليد لمحافظة العلا فإنه لن يستغرب أبدًا، وهو يقرأ ما تضمنته تلكم الصفحات الوضاءة من وصف رائع وجليل لهذه المدينة الواعدة، والتي اصطبغ تاريخها بالأصالة والحضارة الموغلة في القدم دونما مواربة، أمّا اليوم فلا يكاد شخص يزورها إلاّ ويصفها بأنها من المدن الأخاذة في بلادنا، حيث اكتست بالخضرة والجمال، وتوشّحت مبانيها على امتداد أحيائها المترامية الأطراف بمختلف التصاميم في الفن المعماري الأصيل، تزينها الشوارع الفسيحة من كل جانب، وتتخللها الأشجار المورقة التي تسر الخاطر عوضًا عن الناظر، ولا غرابة في ذلك فهي من المناطق الزراعية التي لا يختلف عليها اثنان، نتيجة لخصوبة تربتها، وتوافر الماء العذب فيها، زد على ذلك ازدهار مختلف المناشط الحياتية الأخرى فيها ممثلة في النواحي التجارية والصناعية والمهنية، ناهيكم عن توفر الكثير من الخدمات التي تهم المواطن والزائر والسائح أنّى تجوّل بين جنباتها. أمّا بالنسبة للتعليم تحديدًا فلا يكاد أحد من معاصريها إلاّ ويشهد بأقدميته فيها، والذي مع مرور السنين نما وتطور، وبنقلة نوعية إلى الحد الذي استقطب كثيرًا من طالبيه حتى من خارج حدودها، لاسيما الدراسة الجامعية. تلكم هي العلا والتي لم تكن تلك البلدة الصغيرة والهادئة والحالمة وذات الأبنية القليلة، والشوارع الضيّقة، وغير المسفلتة في معظمها فضلاً عن أنشطتها المحدودة، وعدم ارتباطها بمناطق أخرى سوى من جهة واحدة فقط، ممثلاً في طريق العلا خيبر المدينةالمنورة، كما خطه يراع ذلكم الكاتب قبل ثلاثة عقود من عمر الزمن، كما قرأنا ذلك في حينه، وإنما أضحت اليوم تعج بالحركة والنشاط الدءوب في كل ميادين الحياة ومجالاتها المختلفة؛ ليتحوّل بذلك الحلم الذي كانت تحلم به في تلك السنين الغابرة من الرقي والتقدم إلى حقيقة ماثلة للعيان يجني ثمارها جبل اليوم بكل فخر واعتزاز، وبدلا من ذلكم الطريق الوحيد الذي يربطها بالمدينةالمنورة آنذاك أصبحت العلا تقع ضمن منظومة متكاملة من الطرق المسفلتة، والعالية التصميم والاتقان، حيث بإمكان الزائر أن يصلها من الشمال عن طريق تبوك مركز المعظم، ومن الغرب عن طريق الوجه - العلا، ومن الشرق عن طريق حائل مركز الجهراء، ومن محافظة تيماء عبر مدائن صالح، ومن المدينةالمنورة عبر مركز شجوى الموازي للطريق السابق المدينةالمنورة محافظة خيبر، بالإضافة للطريق السريع الذي سيربطها بكل من منطقة تبوك شمالاً، ومنطقة المدينةالمنورة جنوبًا؛ لتصبح مجموع هذه الطرق سبعة طرق إن لم تكن ثمانية بالفعل، فضلاً عن مطار الأمير عبدالمجيد -يرحمه الله- لمن يرغب الوصول إليها عن طريق الجو. هكذا غدت العلا دوحة في عالم الطبيعة الخلابة، التي تأسر القلوب قبل العيون، وثغرة من ثغور هذا الوطن الشامخ المعطاء، ومتحفًا ثريًّا في عالم التاريخ والآثار، نظرًا لما تعج به من آثار عريقة، وكنوز تراثية متباينة، طبقًا للحضارات التي تعاقبت على سكناها منذ أمد بعيد، والتي في مقدمتها بطبيعة الحال آثار مدائن صالح، والتي بتميزها المبهر تم إدراجها ضمن لائحة التراث العالمي. فما أجمل العلا وهي تتربع بين الجبال الشاهقات، وهي أيضًا تحتضن النخيل والأشجار والنباتات، وما أجملها وهي تتلألأ بالرمال الذهبية كلّما أشرقت عليها الشمس، أو تسلل إليها ضوء القمر في لياليه البهية، وما أجملها مع هذا كله وهي تتزين بالمجسمات الجمالية، والمنجزات الحضارية الرائدة، والتي جاءت تتويجًا صادقًا لاهتمامات هذه الدولة السنية -حرسها الله- وحتى لا نطيل عليكم مع هذا التطواف الجميل لمدينة العلا، دعونا نختم مقالنا هذا بقول شاعرها العذري جميل بن معمر، والذي هام في واديها المسمّى بوادي القرى -آنذاك- العلا -حاليًّا- بحثًا عن محبوبته بثينة: ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة بوادي القرى إني إذا لسعيد