بعض المسلسلات الدرامية في شهر رمضان الماضي احترمت عقلية الجمهور وقدمت مواضيع ذات مضمون جيد، وخاصةً المسلسلات التي تؤرخ لحقبة تاريخية من حياة الشعوب أو تُظهر الصراع العربي الإسرائيلي الاستخباراتي، وأهمية نقل المعلومات ومدى الاستفادة منها في الحرب ضد إسرائيل، وهو ما ظهر في مسلسل «عابد كرمان» سيناريو بشير الديك وإخراج نادر جلال، وأيضًا المسلسل السوري «طالع الفضة» الذي يؤرخ لزمن النفوذ العثماني وكفاح السوريين ضد الاحتلال الفرنسي في الشام والدور الصهيوني في هجرة اليهود السوريين إلى إسرائيل أثناء الحرب العالمية تمهيدًا لقيام دولة إسرائيل فيما بعد، والمسلسل سيناريو وحوار الممثل عباس النوري والعنود خالد وإخراج سيف الدين، وهو مأخوذ من رواية بذات الاسم تصوّر الحياة الدمشقية في عشرينات القرن الماضي، فهو دراما على خلفية تاريخية. مسلسل «عابد كرمان» نأتي لمسلسل «عابد كرمان» لما له من أهمية في الحرب بين العرب والكيان الصهيوني، المسلسل من إخراج نادر جلال، وسيناريو وحوار بشير الديك، وقد سبق أن عمل هذا الثنائي فيلمًا سينمائيًا عن الجاسوسية باسم «مهمة في تل أبيب» بطولة نادية الجندي وهو من أفضل أفلامها، حيث إن الإغراء الذي دأبت على أدائه في السينما، كان في هذا الفيلم موظفًا لخدمة مضمون القصة. أما بالنسبة للمسلسل الذي نحن بصدد الحديث عنه، فهو يحكى قصة أسرة يهودية مصرية تهاجر إلى فرنسا، حيث إن أم البطل فرنسية تتجه إلى إسرائيل، وهناك يُقبض على ابنها الأكبر من عرب 48 في جيش الدفاع الإسرائيلي ويُعذّب ويُقتل، مما يزيد من كراهية العائلة لدولة إسرائيل التي تجنّد أبناءهم لحرب العرب، وهنا يجد عابد كرمان (الشقيق الأصغر) الدافع للعمل لحساب المخابرات المصرية، ويلتقي بزوج خالته اليهودي من أصل مصري في إسرائيل، وتتوالى الأحداث، إلا أن الكاتب بشير الديك أبدى ملاحظة مهمة، حيث إن العمل أُنتج لعرضه في رمضان الماضي، ولكن الرقابة المصرية منعت عرضه وطلبت حذف شخصية موشي ديان من الأحداث، حيث إنه له دور مهم في المسلسل، فهو ضليع في سرقة الآثار العربية ونسبها للتراث اليهودي، وهو في المسلسل صديق البطل عابد كرمان الذي جسّد شخصيته في العمل تيم الحسن الممثل السوري. وفى رأيي أن المسلسل كان من الممكن أن يصبح أكثر تشويقًا إذا لم تُحذف شخصية موشي ديان من العمل، حيث إن ولعه بسرقة الآثار أعمى بصيرته عن أن يرى حقيقة عابد كرمان الذي نجح في جمع معلومات مهمة عن المنشآت الحربية الإسرائيلية بعد 67 وهو ما سهّل مهمة عابد كرمان في الحصول على خرائط بعض المواقع العسكرية المهمة التي أفادت الاستخبارات المصرية في حربها على إسرائيل 73. المسلسل مملوء بالتفاصيل التي تبرّر وتمهد للخاتمة التي حالت دون وقوع عابد في يد العدو الصهيوني، فقد استخدم المخرج القطع المتوازي بين هروب البطل ومطاردة الاستخبارات الإسرائيلية له، حيث تمكّن عملاء المخابرات المصرية في فلسطينالمحتلة من تهريبه عن طريق البحر، فجاءت النهاية مرضية للمشاهد العربي، وإن اختلفت الأحداث الحقيقية للقصة بأن الشاب عابد وقع في يد المخابرات الإسرائيلية وتمت مبادلته واستعادته من إسرائيل، ولكن لدواعي درامية ينتهي المسلسل بنجاحه في الهرب قبل أن يُقبض عليه. «الشوارع الخلفية» من المسلسلات الجيدة أيضًا مسلسل «الشوارع الخلفية» بطولة ليلى علوي، والسوري جمال سليمان، وهذا المسلسل يؤرخ لحقبة الثلاثينات من القرن الماضي، ويروي سيرة ضابط مصري رفض إطلاق النار على الطلبة المتظاهرين ضد الاحتلال الإنجليزي ذلك الوقت، فيُحال إلى التقاعد عقابًا له، ويعاني من ذلك، وخاصةً أنه أرمل يرعى ابنتيه في سن الزواج، بينما جارته الأرملة الجميلة (ليلى علوي) لها نفس الظروف، يلتقيا في الجوار ويحدث بينهما تآلف وحب، وهذه القصة الرومانسية تنسج خيوطها على خلفية الأحداث السياسية التي مرّت بها مصر في هذه الحقبة، يعود الضابط إلى العمل ويواجه مظاهرات الطلبة ويرفض للمرة الثانية إطلاق الرصاص على الثوار ويتضامن مع جارته ويسير الجميع في مظاهرة سلمية وهو نهاية المسلسل، حيث وجد كل من البطلة والبطل ضالتهم في الارتباط وتكملة المسيرة سويًا. الأحداث تتشابه إلى حدٍ بعيد بما يحدث الآن في مصر والتظاهرات السلمية التي تحدث في ميدان التحرير. القصة مأخوذة عن رواية عبدالرحمن الشرقاوي، سيناريو وحوار مدحت العدل، وإخراج جمال عبدالحميد. مسلسل يحترم عقلية المشاهد ويؤرخ لحقبة مهمة من تاريخ مصر. «خاتم سليمان» من المسلسلات الهادفة أيضًا مسلسل «خاتم سليمان»، بطولة خالد الصاوي، ورانيا فريد شوقي، والتونسية فريال يوسف، وتأليف محمد الحناوي، وإخراج أحمد عبدالحميد. هذا المسلسل من المسلسلات التي أُستكمل تصويرها بعد 25 يناير، وهو قصة طبيب يحارب الفساد وقد اكتشف أن زوجته الطبيبة بالمستشفى هي ومجموعة يتاجرون بالأعضاء البشرية؛ مستغلين فقر وحاجة المتبرع للمال، فيُصدم الطبيب ويعتزل الناس، ولم يقرر أن يتصدى للفساد بعد الاعتصام في ميدان التحرير، وتنتهي الأحداث بتصدي الطبيب للفساد. مسلسلات كوميدية من المسلسلات الكوميدية التي حظيت بمشاهدة عالية، أولًا مسلسل «الكبير أوي» بطولة أحمد مكي، ودنيا سمير غانم، وأيضًا مسلسل «مسيو رمضان» بطولة محمد هنيدي، لكن هناك مشكلة يعاني منها المسلسل الكوميدي، وهي أن الكوميديا تعتمد التركيز على مقدرة الممثل أكثر من جودة النص، مما قد يوقع العمل في ملل التكرار. عمومًا هذان العملان حظيا على إعجاب المشاهدين، مما استحق التنويه عنه. أعمال ليست على المستوى أما الأعمال التي لم تكن على المستوى المرضي، وإن صُرف عليها إنتاجيًا مبالغ طائلة، ولكن رداءة المواضيع وبُعدها عن الحياة اليومية للمشاهد، جعلت منها أعمالًا أشبه بحشو شرائط الفيديو، وملء فراغات، منها: مسلسل «سمارة»، ومسلسل «كيد النسا»، فهذه مسلسلات تؤرخ لقصص العوالِم والفساد، وقد استهلكت هذه المواضيع في أعمال سابقة، وأرى أن عرضها على الفضائيات في رمضان غير مناسب. * ناقدة ومخرجة سينمائية