إذا كان توجّه الفلسطينيين للأمم المتحدة لطلب عضوية كاملة يُعتبر عملاً ذكيًّا، ونوعًا من أنواع الهجوم الدبلوماسي، بدلاً من التخندق في مواقع الدفاع، فقد كانت كلمة الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) التي ألقاها أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، ضربة معلّم (بحق وحقيق). الرئيس الفلسطيني عباس ابتدأ كلمته قائلاً: (جئتكم من الأراضي المقدسة بعد النكبة بثلاثة وستين عامًا لأقول: كفى.. كفى.. كفى). ثم صعّد عباس من لهجته في تغيير يتجاوز البعد التكتيكي للأداء الفلسطيني، منذ توليه رئاسة السلطة الوطنية: (لا أعتقد أن أحدًا لديه ذرة ضمير أو وجدان يرفض عضويتنا في الأممالمتحدة). عباس لم يمنح الفرصة للعدو الإسرائيلي لتفسير خطوته باعتبارها تخليًا عن عملية السلام التي ما زال الكثير من أعضاء ما يُسمّى بالمجتمع الدولي، يربطون قيام الدولة الفلسطينية بها. لكن عباس كان حاسمًا ودقيقًا جدًّا عندما وضع شروطًا لاستئناف مفاوضات السلام التي لم تؤدِ حتى الآن، إلاّ لتكريس واقع الاحتلال والاستيطان. الشرط الأول الذي وضعه عباس هو: (مستعدون للعودة للمفاوضات وفق مرجعية دولية، ووقف الاستيطان). أمّا الشرط الثاني فهو: (إنجاز السلام المنشود يتطلب الإفراج عن الأسرى والمعتقلين في السجون الإسرائيلية). وجاء الشرط الثالث في كلمة عباس واضحًا مثل سابقيه: (إسرائيل تواصل حصار قطاع غزة، واستهداف المواطنين بالقصف المدفعي). أمّا الشرط الرابع فكان: (إسرائيل تواصل حصار القدس بحزام استيطاني، وبجدار الفصل العنصري). وبالطبع فإن الرئيس عباس لم ينسَ الإشارة إلى سبب تعثّر مسار العملية السلمية طوال العقدين الماضيين، فقال: (سياسة إسرائيل ستدمر فرص تحقيق حل الدولتين). ثم عاد وصعّد من لهجته: (كل جهود المفاوضات كانت تتحطم على صخرة تعنّت الحكومة الإسرائيلية). لكنني أعتقد أن أقوى ما في الخطاب كان تلك العبارة التي حمّل فيها الرئيس عباس بشكل واضح وصريح، الإدارة الأمريكية مسؤولية فشل المفاوضات: (المفاوضات التي رعاها الرئيس أوباما العام الماضي انهارت بعد أسابيع عن انطلاقتها). الفلسطينيون بدأوا خطة سياسية تعتمد على الهجوم. وأرى أنهم قادرون على تسجيل العديد من النقاط من خلال هذه الخطوة.