أثار الكاتب الأستاذ إبراهيم عيسي في مقال بعنوان: «مصر تذهب إلى شارع الهرم» -نشرته صحيفة الدستور المصرية أخيراً- قضية يبدو أن الكثيرين قد أغفلوها في الحكم على الشارع المصري. فقد حمل تعليقه على أحد الأفلام الجديدة الذي تم إنتاجه بعد ثورة 25 يناير وعرضته صالات السينما في مصر مع بداية عيد الفطر المبارك، وهو فيلم «شارع الهرم»، حمل في رأيي، إسقاطات متعددة يجب ملاحظتها. هذا الفيلم، الذي كان أكثر فيلم تعرّض لحملة ضده من عدة دوائر على مواقع الإنترنت، وصفحات ال«فيسبوك»، سواء من بعض الإسلاميين الذين اتهموه بالخلاعة ودعوا إلى مقاطعته، أو من نشطاء الثورة الذين اتهموه بالتفاهة التي لا تليق بمصر بعد الثورة، أو لمواقف بعض نجوم الفيلم.. إلخ، وهو ما دعا هؤلاء إلى مقاطعة الفيلم، لكن أحداً لم يقاطعه بل زاد الإقبال عليه، وارتفعت إيراداته إلى رقم غير مسبوق. فهو «أول فيلم ينجح بعد ثورة 25 يناير، وأول فيلم يحقق سبعة ملايين جنيه في ثلاثة أيام «ثورية»! ويخرج الأستاذ إبراهيم عيسي من هذه الواقعة إلى عدد من الملاحظات التي يمكن أن ألخصها في التالي: * نجاح هذا الفيلم في أيام العيد الثلاثة وحجم ما بلغه من إيرادات لا يحتاجان ناقداً سينمائياً، بل خبيرًا في علوم الاجتماع والنفس ليشرح سرّه، ثم ابحث عن السياسة التي تجلس في شباك التذاكر! * إن المصريين الذين يتحدثون عن أزمات مالية، وعن توقّف عجلة الإنتاج، وعن تراجع السوق، وتقلص حركة البيع والشراء، وهذه الأمور التي باتت عنواناً لأي كلام عن اقتصاد ما بعد يناير، ينفقون أكثر من ستة عشر مليون جنيه في أيام العيد حصيلة شراء تذاكر سينما. * إن أهمية الترفيه، وإن الذهاب إلى السينما واحد من أكثر وسائل البهجة والاحتفال بالعيد في حياة المصريين. فبينما سافر الأغنياء إلى الساحل الشمالي، وسافرت الطبقة المتوسطة إما إلى بلدتها الريفية أو أقرب مصيف لها، فإن الطبقات الشعبية ومحدودي الدخل لا عيد لهم إلا بالسينما والمراجيح وشراء المسدسات البلاستيك تقريبا!. لكن أهم عبرة يمكن الخروج بها من جراء إقبال الناس في مصر على فيلم هوجم لتفاهته وما تضمنه من مشاهد خلاعية هو- كما يرى الأستاذ إبراهيم عيسي-: «أن الشارع (لا أقصد شارع الهرم) لا يسلم نفسه بسهولة إلى أي تيار، فلا الإسلاميون بدعوتهم ذات الطابع الديني، أثّروا في عشرات الآلاف الذين دخلوا الفيلم، ولا حماسة النشطاء وغيرتهم على الثورة أتت بنتيجة مع عقول الجمهور»! والنتيجة التي يخرج بها الكاتب، وهي نتيجة يجب إمعان التفكير فيها، هي: «إذا لم تتحول الثورة على يد نشطائها إلى طاقة إيجابية وإشعاع أمل وتوقفت عن جعلها عنوانا للكسح والاكتساح، والانتقام، والانقسام، وإذا لم يصبح التيار الديني متسامحاً، مستوعباً، وتوقف عن حالة الترهيب والتخويف، وبث الذعر، والتلويح بالعنف، ستذهب مصر كلها إلى شارع الهرم»!