ما أن يودّع الصائمون آخر أيام رمضان إلاّ ويحين فتح ملف قديم جديد، قد اعتاد المجتمع وبمختلف أطيافه على تقليب صفحاته، وكل حسب ثقافته وموقعه يتحدد موقفه، أعتقد أن القارئ أدرك أن ذاك الملف يخص رؤية الهلال، خاصة أن وسائل الإعلام والناس في مجالسهم لم يكفوا عن الخوض في هذا الشأن بعد، وما زال الجدل يتجدد بتجدد هلال شوال لعلّة بسيطة تكمن في عدم زوال مسببات الجدل، فهذا العام مثلاً، أكد الفلكيون أن رؤية هلال غرة شوال في مساء 29 أغسطس لن تكون ممكنة، وقد تناقلت الصحف وغيرها من وسائل الإعلام مثل هذه الأنباء في أيام رمضان الأخيرة، فوصل صداها لعامة الناس، ومعلوم لدى شريحة لا بأس بها أن علم الفلك قائم بذاته له حساباته وقوانينه، حيث إن الكواكب تخضع لنظام دقيق يحكمها في الحركة والتوقيت، وهذا من بديع صنع الخالق وحكمته، ومن خلال ذلك أصبح تحديد وقت بعض الظواهر الكونية كالخسوف والكسوف أمر ممكن وبدقة متناهية، كذلك فيما يتعلق برؤية الهلال لم يعد الأمر مجرد توقع أو تكهن، إذ يتم معرفة ما إذا كان الهلال يغرب قبل الشمس أو معها أو بعدها، ثم إن تحديد مكانه يكون وفق إحداثيات معينة، ويستخدم الفلكيون تلسكوبات ترصد الأجرام البعيدة وتوضحها وتكبرها، ومع ذلك وفي ذات الليلة التي قال الفلكيون أن رؤية هلالها مستحيل، شهد شهود رؤية الهلال برؤيته، وكانت تلك الليلة غرة شوال. بعد هذا نحن لا نلوم عامة الناس على الجدل والتساؤل، فالحدث بحد ذاته يثير فكر الفرد، ويدعوه للحيرة والاستغراب، ولا غرابة في ذلك فأي تناقض في الآراء أو القرارات ينتج عنه لغط وأخذ ورد خاصة فيما يتعلق بالعبادات، وفي هذا الشأن يفترض أن يكون عمل كلا من الفلكيين والمترائين مكملاً بعضه بعضًا، ومثبتًا ما يثبته الآخر، فالتقنية الحديثة لها دورها وأهميتها في شتى مجالات الحياة في عصرنا الراهن، والحقيقة أن الجهتين في موضوع الأهلة لهما نفس العمل والهدف، لذا من الأفضل لهما وللمجتمع أن يتوحد عملهما في هذا المجال، حتى يتم تلافي جدل يتكرر عامًا بعد عام.