منذ إعلان مجلّة Economist البريطانية قبل أيام، عن كون مدينة ملبورن الأسترالية هي أفضل مكانٍ لمعيشة البشر في العالم، مُنتزعةً عرْش الأفضلية من مدينة فانكوفر الكندية، وأنا أعضّ أناملي حسْرةً وندامةً على مدننا الكُبْرى!. لماذا؟! لأنّ ملبورن لم تتفوّق عليها بحرص القيادة السياسية، فقيادتنا هي الأحرص على تفوّق مدننا، ولا بكثرة المال، فدخْلُنا مقارنة بعدد السُكّان هو من الدخول الأعلى في العالم، ولا بملاءمة التضاريس، فتضاريسنا ملائمة لإنشاء حضارات تُعمِّر لعشرات القرون، ولكن بالتخطيط السليم، يليه التنفيذ السريع!. لقد أدركت ملبورن أنّ زيادة عدد السُكّان فيها -عشوائيًّا- يعوق تقدّمها، فعمِلَت على ثباته في حدود 3 ملايين نسمة، وإن زاد فلا يزيد عن 30 ألف نسمة سنويًّا، أو مليون نسمة كلّ 33 عامًا، بتقليل الهجرة إليها من خارجها، لا بمنعها بأحكام قاراقوشية، بل بتحسين معيشة القُرى، والمدن الأصغر حولها، عكس مدننا التي أهملت ما حولها، فانفتحت أبواب الهجرة إليها على مصراعيْها، وقد تخطّى بعضُها حاجز ال 4 ملايين نسمة، وأصبحت مشروعاتها التطويرية، وبُنيتها الخدماتية لا تُواكب النسمات المتنامية، كما أدركت ملبورن أنّ التنقّل السهل داخلها هو مؤشّر أفضليتها، اقتصاديًّا، واجتماعيًّا، وأمنيًّا، وسياحيًّا، وسلامةً، فأنشأت وسائل النقل العام الأحدث في العالم، إذ فيها الآن 100 قاطرة كهربائية، تحت وفوق الأرض، ممّا هي صديقة للبيئة، ومُخفّفة للازدحام، وقاضية على الضجيج، وتنقل 70 مليون راكب سنويًّا، ناهيكم عن الحافلات التي تعمل على 240 خطًا مختلفًا، الأمر الذي هدّأ أعصاب السُكّان، وأسعدهم، عكس سُكّان مدننا الذين أصابتهم أخطر أمراض المدن: سكّر، وضغط، وتوتّر، واكتئاب!.