موجودون في مختلف الطرقات والميادين العامة.. بعضهم دفعته الحاجة إلى المال والرغبة في تحسين دخله، والبعض الآخر شغف بها ويرى أن الطعم الحقيقي لليالي رمضان لا يكتمل إلا بها. إنهم بائعو البسطات من شباب الوطن الذين أراد بعضهم استغلال وقت فراغه فيما يفيده، فيما لم يرق لآخرين أن يمر عليهم رمضان دون أن يتذوقوا حلاوته التي تكمن في بيع المأكولات الشعبية في لياليه الساهرة. «المدينة» تجولت مساء في أحد أحياء جدة الشعبية والتقت عددًا من هؤلاء الشباب وحاورتهم عن الأسباب التي دفعتهم لمثل هذه الأعمال وما الذي يدور في عقولهم بشأن نظرة المجتمع لهم. تنظيم صارم للوقت بداية التقينا الشاب أسامة أبو زيد (بائع كبدة) والذي يعمل موظفًا حكوميًا وقد تحدث بعفوية وبطلاقة حول وقوفه الساعات الطوال أمام الزبائن قائلا: ليالي رمضان هي ما يدفعنا للعمل في مثل هذه البسطات، حيث نعمل منذ سنوات في هذا النشاط طلبًا للرزق وتحسين الدخل مع أنني لا أعاني من أي ضائقة مالية. وعندما سألناه عن تأثير العمل الليلي على الدوام الرسمي في الصباح أوضح أنه يتبع جدولا صارما في تنظيم الوقت ولا يواجه أي مشاكل تذكر خصوصاً فيما يتعلق بالوفاء بالالتزامات العائلية. وينبه أبوزيد الذي يعمل برفقة شقيقيه سراج وفواز إلى ضرورة استغلال الشباب لأوقات فراغهم خصوصاً في شهر رمضان المبارك والذي تضيع فيه ساعات الليل الطويلة في أمور ليست ذات نفع، لافتا إلى أن أغلب الشباب يمضيها دون أي فائدة تذكر. وخلال الجولة التي قمنا بها التقينا بالشاب المهندس عمرو دفّع (بائع سوبيا) والذي قال أنه يمتهن بيع السوبيا منذ أن كان طالباً في الجامعة وهو فخور بنفسه لأنه قادر على تحمل المسؤولية واستثمار الوقت واستغلاله بشكل سليم، بالإضافة إلى قدرته على تنويع مصادر دخله والاستفادة من الدعم الذي تقدمه الدولة للمواطنين والشباب منهم على وجه الخصوص ودعم المشاريع الصغيرة التي تساعد في الحد من البطالة والترويج للأعمال الحرة. ويتابع عمرو: العمل الحر علمني ترتيب الوقت واحترام المواعيد وحرص الإنسان على ما ينفعه، بالإضافة إلى اجتناب الأمور غير المفيدة. أما الشاب خالد طلعت (بائع بليلة) والذي لم يكمل العشرين ربيعاً فيؤكد أنه يجد متعة كبيرة في هذه المهنة، وأنه لا يمكن أن يتذوق طعم شهر رمضان دون أن يقوم بإنزال عربة البليلة أمام الزبائن، وبالرغم من كونه لا يزال طالباً في الجامعة. لافتا إلى أنه يود مواصلة بيع البليلة في رمضان بشكل سنوي. وفيما يتعلق بثقافة العيب السائدة ونظرة المجتمع إليه يقول طلعت: هذا العمل أصبح من الأمور العادية حيث إنني استطعت كسر هذا الحاجزعبر العمل المستمر وترغيب الآخرين في الانخراط به، إذ أن الكثير من الشباب يتأففون من ممارسة مثل هذه الأعمال كونهم يرونها أعمالا «وضيعة « لا تليق بهم أو بما يسمى لدينا ب (ثقافة العيب). وأخيرا التقينا عبدالله دردير والذي يعمل (بائع كبدة) رغم أنه في الأصل موظف طيران ولكنه يستمتع بإجازته السنوية في الشهر الفضيل من خلال بيع الكبدة، وهو يقول: أتفرغ في شهر رمضان للعبادة وطلب الرزق، وأحرص على تدريب ابني (محمد) ذي العشرة أعوام على كيفية عمل الكبدة.