الصلاة عماد الدين، وقد فرضها الله في السماوات على رسوله خمس صلوات في اليوم والليلة في أوقات خمسة محددة، كما قال تعالى: «إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابًا موقوتًا»، ومن يسر الإسلام وسماحته أنه رخَّص للمسافر أن يجمع بين صلاتي الظهر والعصر وصلاتي المغرب والعشاء في وقت إحداهما، وفق شروط محددة، والمقصود بالمسافر المسلم المتنقل من مكان لآخر بحيث لا يستقر فيه أربعة أيام كاملة -على خلاف-. وإذا بحثنا في أحكام الجمع للمسافر فإننا سنجد أن الفقهاء اختلفوا في حكمه إلى رأيين رئيسيين: أولهما: عدم جواز الجمع للمسافر مطلقًا، بل الواجب أن يصلي كل صلاة في وقتها، ووجهوا جمع النبي (ص) بين الظهر والعصر بعرفة وبين المغرب والعشاء بمزدلفة إلى أنه كان بسبب النسك، وليس بسبب السفر، ولذلك فإنه يجوز عند القائلين بهذا الرأي أن يجمع أهل مكة في عرفة ومزدلفة، وأما ما ورد عن النبي أنه جمع في السفر فيأولونه على الجمع الصوري، وإلى هذا الرأي ذهب الحسن البصري ومحمد بن سيرين وإبراهيم النخعي، وهو مذهب السادة الحنفية. أما ثاني الآراء فهو: جواز الجمع للمسافر تقديمًا أو تأخيرًا -مع خلاف في شروط جوازه-، واحتجوا بسنة النبي الفعلية، منها ما رواه ابن عباس أن النبي كان يجمع بين صلاة الظهر والعصر إذا كان على ظهر سير، ويجمع بين المغرب والعشاء، رواه البخاري، ومنها ما رواه معاذ بن جبل أنهم خرجوا مع النبي في غزوة تبوك، فكان يصلي الظهر والعصر جمعًا، والمغرب والعشاء جمعًا، رواه مسلم وأحمد والنسائي وأبو داود، وإلى هذا الرأي ذهب جمهور الفقهاء من الصحابة والتابعين، وهو مذهب السادة الشافعية والحنابلة، أما رأي السادة المالكية فهو قريب من هذا الرأي -مع تفصيل لا يحتمله هذا المقال-. إن المسلم قد تقتضيه ظروف الحياة إلى السفر، والغالب أنه لا ينشأ إلا عن حاجة، فلو ألزمنا المسلم بأداء كل صلاة في وقتها لأدى به ذلك إلى مشقة ظاهرة، بل إن المشقة قد تشتد عندما يكون السفر متكررًا، كالسائقين وناقلي البضائع، وهنا يتجلى لنا يسر الإسلام ورحمة الخلاف بجواز الجمع للمسافر. وإذا كان المسافر فقيهًا، وأراد أن يؤدي الصلوات في أقصر وقت ممكن، فإنه يمكنه أن يجمع بين صلاتي الظهر والعصر تأخيرًا، وبين صلاتي المغرب والعشاء تقديمًا، فيتوقف في سفره قبل غروب الشمس بوقت كافٍ، بحيث يجمع بين الظهر والعصر تأخيرًا، فإذا غربت الشمس فإنه يجمع بين المغرب والعشاء تأخيرًا، فيجمع بين أربع صلوات في وقت قصير، لا يتجاوز ساعة واحدة، وإياك أخي القارئ أن تظن أن ما ذكرته لك يعد من قبيل التحايل على الشرع، بل هو رخصة شرعية صحيحة، يفطن لها المسلم الحريص على مرضاة ربه، والقائم بشؤون دنياه.