تأكيد الرئيس الفلسطيني في كلمته أمام المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية على خيار المقاومة الشعبية يعيد الاعتبار إلى هذا الخيار دون أن يلغي الخيارات الأخرى بما في ذلك المفاوضات. وإذا كان أبو مازن تأخر في التأكيد على أهمية المقاومة في إنهاء الاحتلال واستعادة الشعب الفلسطيني لحقوقه المغتصبة، إلا أن إعلانه مؤخرًا بأنه مع المقاومة الشعبية الشاملة يعيد الاعتبار إلى هذا الخيار الذي يعتبر حقًا مشروعًا للشعب الفلسطيني، والطريق الأقصر للوصول إلى الأهداف الوطنية التي لا تقتصر على كسب الاعتراف الدولي بدولة فلسطين الحرة المستقلة على أراضي الرابع من حزيران 67 بعاصمتها القدس الشريف، وإنما إقامة تلك الدولة فعليًا على أرض الواقع. وإذا كان أبو مازن قد استبعد المقاومة المسلحة، فإن ذلك يمكن تفهمه في الظروف الراهنة، فليس من الحكمة طرح المقاومة المسلحة في وقت تحاول فيه السلطة الفلسطينية حشد التأييد العالمي في معركة الأممالمتحدة، وتحاول جاهدة التقليل من المعارضة والرفض من قبل بعض الدول لعدالة القضية الفلسطينية بالرغم من التوجهات السلمية التي أظهرها وآمن بها الشعب الفلسطيني على مدى عقدين منذ مؤتمر مدريد حتى الآن، وبالرغم من إثباته للمجتمع الدولي على قدرته على بناء مؤسسات الدولة وضبط الأمن في الضفة والقطاع بما لا يدع حجة أمام إسرائيل للاستمرار في سياسات الاحتلال والاستيطان والحصار والاعتقال والتنكيل، وبما يتناقض مع أبسط حقوق الإنسان التي نصت عليها مبادئ القانون الدولي. ما يزيد من أهمية تصريحات أبو مازن أنها جاءت مع ذكرى احتفال العالم بعيد ميلاد الزعيم الجنوب إفريقي نيلسون مانديلا الذي أصبح يومًا عالميًا تكريمًا لمسيرته النضالية التي اتخذت من الديمقراطية السلمية شعارًا لها، ومع تزايد وطأة المأساة الصومالية التي ترتبت على المجاعة التي يشهدها منذ أكثر من شهرين، بما أصبح يهدد حياة ملايين الأنفس بالموت جوعًا وعطشًا، وهو ما يطرح السؤال: هل الأجدى على العالم خوض المزيد من الحروب والمنازعات واللجوء إلى أسلحة الفتك والدمار لحل تلك النزاعات.. أم اللجوء إلى منطق الحكمة والتعقل واحترام وتطبيق المواثيق والأعراف والقوانين الدولية لإحلال السلام والتفرغ لقضايا والفقر والتصحر والجفاف التي أصبحت تهدد أكثر من ثلث سكان العالم؟.