«أمريكا» عنوان فيلم فلسطيني: نعم فلسطيني بالكامل.. إنتاجًا وإخراجًا وتمثيلًا، أُخذت مشاهده ما بين فلسطينالمحتلة، وأمريكا، وكندا، وهو ناطق باللغتين العربية والإنجليزية، ويحكي بكثير من الشفافية معاناة المهاجرين عمومًا، والعرب خصوصًا إلى أمريكا التي يعتبرها معظم سكان العالم أرض الأحلام، وموطن الفرص، والحرية، والاستقرار. والفكرة في حد ذاتها جديدة، إذ تروي قصة أم فلسطينية مطلّقة، وابنها المراهق اللذين سعيا باستماتة للحصول على تأشيرة هجرة لأمريكا؛ للخروج من العيش الخانق في ظل الاحتلال الظالم. ويعرض الفيلم ببراعة مشاهد لمضايقات جيش الاحتلال لهما، ولسواهما من المواطنين.. وبعد سنوات طويلة تصل الموافقة إلى الأسرة التي تطير فرحًا، وتتردد الأم بداية، ثم تقدم على السفر مع ابنها، وسط عويل ونحيب أفراد الأسرة الآخرين. ويصل المهاجران إلى «أرض الأحلام» ليقيما عند أخت للأم تقيم هناك منذ خمسة عشر عامًا، وتبدأ معاناتهما من اليوم الأول، حين تبحث الأم عن الدولارات التي جلبتها معها، وهي «تحويشة» العمر، وقد خبّأتها في علبة معمول، فحين سألت ابنها عن العلبة قال لها: إن شرطة الهجرة صادرتها عند وصولهما؛ لأن جلب الأطعمة ممنوع، وقد حاول الفتى إبلاغ أمه بذلك وقتها، ولكنها لم تستمع إليه لانشغالها باستلام الحقائب الأخرى، وإنهاء إجراءات الدخول، فأخذت الأم تنتحب حين علمها بضياع المبلغ الذي يصل إلى ألفين وخمسمائة دولار، والذي كانت تعوّل عليه في مصروفهاتها حتى تحصل على عمل، خصوصًا أن أختها لم تكن في حال جيدة، بعد أن تضاءل دخل زوجها الطبيب الذي ما عاد المرضى يرتادون عيادته كالسابق بعد احتلال العراق، وعلمهم أنه عربي، وليس عربيًّا فقط، بل هو فلسطيني، بمعنى أنه «إرهابي» من جهتين، وعند هذه النقطة تبدأ العقدة التي يعرضها الفيلم في الظهور، إذ تَحْفَى أقدام الأم وهي تبحث عن عمل دون جدوى، فقد كانت تعمل لمدة طويلة مُحاسبة في بنك فلسطيني، وظنّت أن البنوك الأمريكية سترحب بها، ولكنَّ أحدًا لم يلتفت إليها، وعلمت أن عليها أن تعمل لعشر سنوات قبل أن تُقبل في البنك، في أعمال حقيرة محدودة الدخل، أو ضئيلة، ولم تجد أمامها إلاّ العمل نادلة في أحد مطاعم الهمبرجر، بعد أن كانت موظفة محترمة في بلادها، وأخفت طبيعة عملها عن أختها خصوصًا، وكانت الأخت توصلها يوميًّا إلى أحد البنوك، ثم تخرج خلسة وتعود إلى المطعم بعد ذهاب أختها. ويعرض الفيلم أحداثًا يتعرّض لها ابنها الذي سجلته في إحدى المدارس، إذ يضايقه الطلاب، والمدرسون باستمرار بالحديث عن العراق، وإسرائيل. وتدافع عنه ابنة خالته التي تدرس معه، ويصل الأمر إلى حد ضربه، والاعتداء عليه داخل المدرسة، وتذهب الخالة لإحضار أمّه من البنك لتعلم أنها تعمل نادلة في المطعم الذي بجانبه. وتزداد الأمور تعقيدًا حين تتلقى العائلة تهديدات مستمرة في صندوق البريد بالقتل، ويشعر الجميع بذعر شديد، ويفكرون بالعودة إلى فلسطين، ولكن الأم تشرح لهم أن الأحوال ازدادت سوءًا بشكل لا يمكن وصفه في السنوات الخمس عشرة الماضية بعد بناء جدار الفصل العنصري، وازدياد الهمجية الإسرائيلية. فما يكون منهم إلاّ الاستسلام للأمر الواقع، وأن يقرروا البقاء في أمريكا، رغم كل الاضطهاد السياسي الذي يتعرضون له. فهو أخف وطأة من اضطهاد الاحتلال. لقد نجح هذا الفيلم إلى حد كبير في تصوير ما يمكن تسميته بالاضطهاد السياسي الذي تعيشه أمريكا، بعد أن انحسر الاضطهاد العِرقي فيها إلى حد بعيد في العقدين الأخيرين، وكاد يتلاشى بعد وصول أوباما إلى سدّة الحكم، فكلمة «ملوّنون»، أو «زنوج» ما عادت تُسمع كثيرًا في أمريكا؛ لسبب بديهي: هو أن كل السكان تقريبًا أصبحوا اليوم من الملونين، وبعد أن كان الرجل الأبيض يمثل الأكثرية مقابل الأقلية «الملونة» أصبح الأبيض يمثل الأقلية بكل ما تعنيه كلمة الأقلية، وأصبحنا نرى شقر الشعر، زرق العيون في أمريكا بالنسبة نفسها التي نراهم فيها في بلادنا، أو أي بلاد عربية أخرى. لذا تحوّل التمييز إلى تمييز سياسي، بعد أن كان عرقيًّا، وعنصريًّا في عهد مارتن لوثر كنج جونير في الستينيات. وقد شهد أبناء جيلي من المبتعثين في أواخر الستينيات الميلادية البداية الحقيقية للاضطهاد السياسي، إبان احتجاز الرهائن الأمريكيين في إيران أواخر عهد كارتر، وتعرّضنا جميعًا للتهديد وقتها من الرعاع، والسوقة، وقُتِل كثير من العرب وسمر البشرة عمومًا؛ لأن عامة الناس لا يفرّقون بين العرب والفرس، أو سواهم. وحدث الشيء نفسه بعد أحداث 11/9 الأليمة، وما تلاها من احتلال للعراق وأفغانستان، إذ يضطهد العرب، وسمر البشرة من أصحاب السحنة المشرقية. لقد نجح هذا الفيلم المتميّز في جعل كل مَن يشاهده يتردد ألف مرة قبل التفكير -مجرد التفكير- في الهجرة إلى أمريكا أرض الأحلام، والأمل، والحرية. للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (53) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain