في أحد الأيام استيقظت من نومي باكرًا وليس كما المعتاد، لا أدري أهو قلق وتوتر أم شعور تسلل إلى قلبي خفية فلم أشعر به إلا في تلك اللحظات،؟! ولكني لم آبه لذلك ونهضت من فراشي، وأمسكت بإحدى المجلات وأخذت أُقلِّب في صفحاتها لعلِّي أجد في طياتها ما يُبدد مللي، ولكن للأسف لم أجد فيها من المواضيع ما يشبع غريزتي وغروري. فازداد بي الإحساس بالملل والفراغ الفظيع الذي شعرت ولأول مرة أنه استعمر قلبي، وسيطر على أفكاري ومشاعري، ولم أستطع التخلص منه رغم كل المحاولات التي قمت بها، إلا عندما أمسكت بدفتري، وأخذت أخط عليه أجمل ذكرياتي التي بددت إحساسي بالملل والكآبة والفراغ وجعلتني كعصفورة انطلقت طيرانًا من قفص فتح لها أبوابه بعد أن حبسها في داخله زمنًا طويلًا، وانطلق العنان لأفكاري وكلماتي التي عجزت في بعض الأحيان عن وصف مشاعري، وأدركت حينها أنه لا معنى للحياة بدون هدف، وأن أسمى أهدافها هو الهدف الذي يختاره الإنسان طريقًا له، كما أنني شعرت، بل أدركت أيضًا بأنني لم أعرف معنى الحياة، ولم أتذوّق طعم السعادة إلا عندما أمسكت لأول مرة بقلمي وأخذت أخط أحلى الأشعار، وأروع الكلمات التي فجرت بداخلي أصدق المشاعر وأعذب الأحاسيس التي كانت مدفونة بداخلي منذ سنوات طويلة، ولم أعلم عنها أو حتى أشعر بها. وأدركت أيضًا أن سعادتي الحقيقية والتي لم أعرفها من قبل هي تلك السعادة التي رسمت خطوطها داخل قلبي، وحفرت اسمها وسامًا على صدري، وأصبحت لي النبض والهواء الذي لا أستطيع أن أعيش حياتي بدونه، وسعادتي التي أشعر بها لم تأتني من فراغ، بل هي أصلًا من صنع أفكاري، وصدق أحلامي ومخططاتي التي كان الملل والفراغ يكتم صوتها الصداح، وبعد أن صدح صوتها في كل الأرجاء وتمكن من التغلب على جميع العوائق، عرفت أنه بيد الإنسان أن يصنع سعادته ويحقق أحلامه وطموحاته، وبيده أيضًا أن يجعل نفسه ماشيًا في كل الأرجاء يجر ورائه أذيال الخيبة والخسران. فلماذا لا نعطي أنفسنا الفرصة لنُحقِّق كل ما نطمح إليه من الآمال والأحلام؟! فها أنا الآن غدوت أمامكم إنسانة جديدة بكل ما في هذه الكلمة من معنى، وهذا هو أكبر دليل على صدق ما أقول، وكما يقال: (اسأل مجرب ولا تسأل حكيم).