أقامت جامعة أم القرى متمثلة في قسم اللغة العربية، معرضًا يمزج بين الأدب والفن والثقافة، وذلك عبر عرض لوحات من إبداع الطالبات، تحكي قصة أبيات شعرية منتقاة من العصر الجاهلي، وعُنون للمعرض ب«وللكلمات ألوان»، وقد أقيم قبل أيام المعرض بالتعاون بين قسم اللغة العربية وقسم التربية الفنية. التعاون بين الكليات وأبانت الدكتورة هنادي بحيري (أستاذ مساعد بقسم البلاغة والنقد) عن أسباب تبنّيها لمشروع هذا المعرض برفقة الدكتورة مريم القحطاني (أستاذ مساعد بقسم الأدب) قائلة: لقد تبنيت فكرة هذا المشروع لأني أرى أن التعاون بين الكليات أمر ضروري في عملية التطوير، فهو عمل طلابي بالدرجة الأولى، وما ينقص طالباتنا ليس فقط تحقيق الذات، ولكن تعلّم كيفية تحقيق الذات، ولقد كنت أطمح ولله الحمد رأيت ثمرة طموحي بأن تتعلّم الطالبات كيفية التواصل مع الآخرين وإن كن من تخصّص مختلف، وأن يتعلّمن حب تخصّصهن ونقل هذا الحب إلى الآخرين، حتى لو كان ذلك مجرد شرح لأبيات شعرية ربما التقطها البعض كي يشارك بهذا المشروع، ولكني على يقين أن الطالبة قد عاشت مع هذه الأبيات المختارة أكثر مما نتصوّر، وبالتالي سيكون الأثر كبيرًا في عملية الرسم. وشاركتها الرأي الدكتورة مريم عبدالهادي القحطاني، والتي كان لها الدور الأكبر في اختيار الأبيات الشعرية من العصر الجاهلي الذي تحدثت عنه اللوحات، حيث قالت: سبب تبنيّ لهذا المشروع هو محبتي العميقة لشعِرنا القديم الجليل وروائعه الفنية، وما صاغ الشعراء بكلماتهم فيه من لوحات فنية تتناغم فيها الألوان والإيحاءات والظلال والمشاعر النفسية، ولكن الأجيال الجديدة قد لا تعتني به كما يستحق، فأردت أن يكون هذا المشروع بابًا يدخلون منه إلى عالم الشعر الجاهلي الساحر، فتذهب تلك الجفوة بين بناتنا وبين الشعر الجاهلي حين يستمعون إلى ما أبدعه الشاعر القديم من أبيات خصبةالدلالة، عميقة الإحساس، وحين يرونها أمام أعينهن لوحات مرسومة نابضة بالألوان، وزاد في إقبالي على تبني المشروع ما لمسته من حماس صادق وشغف بالشعر الجاهلي عند بناتي الطالبات في كلية اللغة العربية اللاتي عملن في المشروع، وأولهن ابنتي فاطمة عبدة الزيلعي التي اقترحت فكرة المشروع وظلت تحمل العزيمة على نجاحه، رغم ما بدا من صعوبات، فمن أجلهن أيضًا تبّنيت هذا المشروع. * كيف رأيتن الفكرة بعد التنفيذ، وكيف وجدتن إقبال الطالبات عليها؟. - قالت الدكتورة مريم: بحمد الله وفضله خرج المشروع إلى النور، ولقي إقبالًا وحضورًا واستحسانًا، وهو عمل اجتهادي نقيمه ونفحصه لنتجاوز مستقبلًا -بإذن الله- ما به من ثغرات.. ونحن نتلقى كل الاقتراحات من الطالبات ونناقشها معهن، لنصل إلى ما يصلح منها للتنفيذ وكيفية ذلك. وأضافت الدكتورة هنادي: لقد تعلّمت الطالبات من هذا المشروع الكثير.. تعلّمن الصبر.. تعلّمن المطالبة.. تعلّمن التمسّك بالرأي، ومن وجهة نظري فإن هذا المشروع وأمثاله مهمًا جدًا للجيل الجديد الذي يعيش غزوًا فكريًا ساعد على ذوبان الهوية، كما أن هذا المشروع بعد تنفيذه جاء رائعًا جدًا، ولا شك أن هناك بعض النواقص، ولكن هذه أول تجربة وقد تعلّمنا فيها الكثير، وسنتفادى بإذن الله تعالى كل السلبيات في المرة المقبلة، إذ نأمل أن يكون هذا المشروع بداية لمشروعات مشابهة للعصور الأدبية المختلفة. وتضيف الدكتورة مريم القحطاني: أكثر ما أدهشني -وإن كنت قد توقعته- هو قصور التعبير بالرسم مقارنةً بالشعر، مما يثبت أن قدرة الإنسان البيانية، وذروتها (الشعر) أدق تعبيرًا عن مشاعر النفس من الرسم، ولذا فالأمة التي فنها الأول الشعر تستغني به عما سواه، لأن الشعر فيه الرسم والإيقاع، ويتميّز عن سواه من الفنون بأن أدواته من داخل الإنسان وهي اللغه منحة الله للبشر، فلقد قال تعالى: {خَلَقَ الإِنسَانَ. عَلَّمَهُ البَيَانَ}، أما غيره فأدواته من خارج الإنسان، كاللون في الرسم، أو الحجر في النحت، أو الأوتار ونحوها في المعازف، ولتميّز هذه الأمة في جاهليتها بالقدرة البيانية ممثلةً في الشعر جاء تحدي الله لهم بمعجزة القرآن الكريم البيان الإلهي الخالد، ومن سبل سلفنا في فهم إعجاز القرآن الكريم عنايتهم بالشعر الجاهلي، وهذا ما نسعى إليه بعون الله بطرق عديدة كان منها هذا المشروع. وقدمت الدكتورة مريم القحطاني والدكتورة هنادي بحيري شكرهما لكل من وقف ودعم هذا المشروع، بدءًا بقسِم التربية الفنية الذي وافق على المشاركة، وسارعنا بالرفع إلى الجهات الإدارية (عميدا الكليتين)، وحقيقة لاقى المشروع الترحيب والدعم الكامل من عميد كلية اللغة العربية الذي نهدي له نجاح طالباتنا ولله الحمد. صاحبة الفكرة وتحدثت الطالبة فاطمة عبده زيلعي (خريجة قسم البلاغة والنقد) وصاحبة الفكرة، فقالت: هذه الفكرة تعبّر عن عشقي للغة العربية، وحبي لفن الرسم، فتآلف الحبّان، فجاءت هذه الفكرة التي هدفت من ورائها إلى هدم الحاجز الحصين بين عامة الناس والشعر العربي عمومًا، والشعر الجاهلي على وجه أخص، ذلك أن فيه من فنون الجمال وأفنانه ما لا يعلم عنه إلا دارس، فكانت هذه المحاولة لتحويل الصورة الخيالية في الشعر الجاهلي إلى صورة مرئية مدركة، تلائم روح العصر، واخترت الشعر الجاهلي لأنهم هم القوم الذين تحدّاهم الله، وجاء القرآن الكريم على سننهم في الكلام، فمتى قويت صلة الناس بالشعر الجاهلي ارتقى فهمهم للقرآن من حيث يعلمون أو لا يعلمون. * وكيف رأيتِ الفكرة بعدما اكتملت؟. - كما ترى الأم وليدها، حَمَلته وهنًا على وهن ثم جاء من عالم الغيب كأجمل ما خلق الله، وعبّرت عن أن هناك أفكارًا أخرى مادام في العمر فسحة، كما أن الفكرة وجدت التشجيع الكبير من والديها الكريمين اللذان عبّرا عن سعادتهما الشديدة وفخرهما الكبير بما حققته ابنتهما، سائلين المولى عزوجل لها مزيدًا من التوفيق، فهذا الفضل إنما يعود لله أولًا، ثم لأستاذاتها الكريمات، وللجهود العظيمة التي تبذلها الدولة المباركة وكذلك لإخوتها، وأستاذاتها وصديقاتها. الفائزة بالمركز الأول تحدثت الأستاذة سهيلة بنت عبدالحفيظ تركستاني (المعيدة بقسم اللغة والنحو والصرف وصاحبة اللوحة التي مثّلتها إحدى الأبيات بالمركز الأول)، قائلةً: هذه الفكرة في الأصل لمتذوقة تذوقت الأدب، وبحمد الله رأيناها ماثلة على أرض الواقع، والفكرة أسدت لأدبنا العربي جميلًا لم يُسدَ إليه من قبل، وكان التفاعل فيها رائعًا عبر التشجيع من أعضاء هيئة التدريس، والتنفيذ من طالبات كلية اللغة العربية، وقسم التربية الفنية، وبصدق رأينا النتيجة متوّجةً بالإبداع، واستمتعنا بتلك اللوحات أيما استمتاع. * وما هي الأبيات التي تمثلها لوحتكِ؟. - هي صورة درة عشقها غواص منذ صباه، حتى شاخ ولم يبلغها، هذه الدرة قد جُعلت في مأمن من السراق، وجُعل عليها ماردُ من الجن يحرسها ولا يغفل عنها ولا يفتر عن حراستها، ولو كلفه ذلك ذهاب روحه، وفي الجانب الآخر نجد ذاك الغواص الهائم الذي رام درته زمنًا ولم ييأس من بلوغها، فكأن الدرة ملكة من ملكات الجن وحارسها من أمهر الجن عملًا. فهي صورة يوصف فيها الشاعر الأعشى حاله وحال صاحبته التي عجز الوصول إليها. * هل سيكون فوزكِ بالمركز الأول في هذه المسابقة دافعًا للتفكير في الاشتراك بفعاليات أخرى؟. - الفوز بالمركز الأول هو محض فضل من الله، وحتمًا إن وُجدت فعاليات وأنشطة تهدف إلى خدمة اللغة العربية وخدمة ديننا وأمتنا فلن أتردد أبدًا في أن أكون أول المشاركات. وختمت سهيلة تركستاني حديثها بالشكر الجزيل لأستاذاتها الفاضلات اللواتي أحتضن الفكرة، وكانت لهن اليد الطولى في تحقيقها، وقالت: أبارك لصديقتي الغالية فاطمة زيلعي نجاح فكرتها، والتي كانت في يومٍ ما مجرد فكرة خطرت ببالها، ثم تمخضت فصارت أملًا، واليوم نراها واقعًا جميلًا أمام أعيننا، متمنية لها رفيع الدرجات في الدنيا والآخرة.