بدأت الأندية الأدبية تجربة قديمة في فكرتها، جديدة في آليِّاتها، تهدف من خلالها غرس قيم الرأي والرأي الآخر في مهد الثقافة، ومنابر التنوير، بحيث تُحوِّل دورها من قولبة الفكر الأحادي المرتبطة بمفهوم الشخصنة إلى التعددية والتنوع الذي لن يجد بيئة تتواءم مع مُعطياته ومُتطلباته مثل ما تجده في هذه المحاضن التي يجب أن تكون بوابة لترسيخ مثل هذه المفاهيم المرتهنة للدور المحوري للثقافة كصناعة تؤم بقية الصناعات الفكرية، وتقودها إلى التغيير الحتمي المُختَزَل في الحقب السابقة إلى القشور بسبب التوجس والخوف من النتائج المُقررة سلفاً للافتراضات الواهنة في الذهنية المُجتمعية، والأدهى والأمرّ تولدها في بعض من تسنّموا سُّدة القيادة في هذه الأندية . هذا المؤمل من الأندية الأدبية كفعل تتنامى فيها لغة الحوار، وتتعاظم فيها أبجديات الاختلاف بمدلوله الإيجابي؛ لتُشكل الصورة المُثلى للثقافة كأداة لتحريك الراكد في المشهد الثقافي، مما يعني أن الثقافة –دائماً- تحتاج إلى فهم متجدد وتخطيط مستمر لإيجاد بدائل لكل ما من شأنه بلورة العقل في إطار قبول التعددية في الرؤى والتنوع في طرح الأفكار، وصهر الأطياف في بوتقة العمل المشترك، وتعميق المسلّمة التي تقول: إن ما يؤمن به المثقف لا يخوله بأي حال من الأحوال إسقاطه على النسيج المجتمعي ذي الاتجاهات المتباينة كخيار وحيد لا بد من القبول به، وتهميش ما سواه، ولعل الانتخابات التي تدور رحاها هذه الأيام في العديد من الأندية أولى خطوات التغيير المنشود لإعادة الخطاب الثقافي إلى منصة القيادة بوعي مزدوج يقوم به الممارس والمتلقي على حدٍ سواء. ولكن المتابع لباكورة نتائج هذه الانتخابات نادي مكة على سبيل المثال يجد أن الأسماء التي أفرزتها صناديق الاقتراع أتت بأسماء مُقدَّرة في ذاتها، إلا أن بعضها بعيدٌ عن تعاطي الثقافة كهم شخصي، وبالتالي كمُنجز ذاتي ملموس يخول له فهم مُتطلبات المرحلة القادمة ناهيك عن قيادتها، الأمر الذي يعني أننا أمام تحول سلبي لهذه التجربة ، ستدفع الثقافة ثمنها غالياً في المستقبل القريب، جراء ارتهانها لفكر مُؤدلج يعود للوراء أكثر من استشرافه للمُستقبل، وهذا يقودنا إلى القول بأن ثقافة الانتخابات في مُجتمعنا لازالت تتحكم في تسييرها أجندة اتخذت التكتلات مطية لتحقيق أهدافها، بغض النظر عن سمو الغاية منها كوسيلة للتغيير المُخطط . إن التباين في تشكيل مجالس الأندية ضرورة لإضفاء الشرعية المنطقية لأي حراك نهدف من خلاله إعادة صياغة الواقع الثقافي بشكل متوازن؛ شريطة أن تحكمه الانتماءات المهنية وليس الولاءات لفكر معين على حساب ربيبه الآخر؛ لأن هذا التباين متى ما كانت مُحدداته علاقات العمل دون الجنوح إلى إقحام العلاقات الشخصية وجعلها بؤرته ومحركه الأساسي، فالمُخرَج سيكون إيجابياً يخدم الحراك الثقافي ويجعله فاعلاً في خدمة المنظومة الفكرية التي نسعى من خلالها إلى إحداث التغيير المرغوب في المجتمع . [email protected]