«إن طاحت البقرة كثرت سكاكينها» مثَلٌ دارج يلوح في سيل المقالات والمقابلات والتصريحات والصور والتقارير عن أحوال دول، كالعراق، اقتحمتها دول أخرى، وعن أشخاص -كالقذافي- ثارت عليهم أقوامهم. إذا عرفنا مطامع الدول الأجنبية في الأمة المضطربة فسنسلم أنه ليس من الحكمة ترقّب هجوم خارجي عليها أو قتال داخلي فيها، ثم الشروع في النُواح على أية مشاكل جدّت وفي فضح أسماء ولّت. الحكيم لا يترقب وقوع مصيبة لكي يصيح ويثير الناس حتى ينطبع في أذهان الأجيال استحالة التحذير من ظلم واقع وتعذر منعه إلا بعد استفحاله ثم سقوطه ثم هبوب زوابع عالمية وإعلامية. العاقل غير الإمعة الذي يتربص حتى تسقط البقرة ليشهر سكينه وسط الكثرة، مستمدا الشجاعة والصيت، بل يدعو بالحكمة والموعظة الحسنة مبكرا مع بوادر الظلم، وإن لم يستطع فليبتعد وليصمت ولا يشارك في إساءة. وقد يتعدى ذوو قربى ورحم وصداقة، فهؤلاء ليسوا بمعصومين، وقد يعاني المرء من أحدهم ثم لا يتخذ سبيلا لنصرته وعلاجه، ولا يترك مجاملته على خطئه، ولا حتى يحاول الهجر الجميل والابتعاد. ما أعجب الماراثون الفجائي في كشف الماضي وفضح الأسماء والكراسي بعد طول ظلم ومجازر وهجرة المستضعفين واستفحال الفتن. المحاباة وسقوط القناعات بالثوابت إلى مستنقع المحدثات والامعية مرض خبيث أهلك الإنسان المؤتمن على نفسه وعلى هذا الكوكب. الصور والكلمات والصيحات لا تظهر إلا بعد انتهاء أي طغيان وتسلط على الأرض، وتنتشر بسرعة لتحيي الليالي وتحشد القراء والمتكلمين والمتفرجين والمؤلفين. الدليل سهل واضح في طوفان الأغاني المصاحبة للأضواء، المتوالدة توالد الألسنة التي خرت تصطنع المقام والمقال. أصدَقُ وأسلم جواب واقعي على كل «ليه؟» حول أي مهزلة كبيرة أو صغيرة في العالم هو موال بطول ليل لا ينتهي إلا بمثله: «من غير ليه»!. د. فارس محمد توفيق-المدينة المنورة