الإنشاد نوع من الفنون، وشكل الإنسان الخارجي نوع من الجمال أو الفن، فكلاهما يجذب النفس البشرية التي جبلت على الميل لكل أنواع الجمال، إلى هنا قد يبدو الأمر طبيعيًا، لكن الغريب هو أن يحل جمال الشكل والمنظر مكان الكفاءة والقدرة والموهبة، وهو ما نراه أحيانًا في مجال الإنشاد، فبالرغم من أن الإنشاد مجال يعتمد على الكفاءة والقدرة إلا أن الملاحظ أن بعض المنشدين الذين ظهروا في الفترة الأخيرة ونالوا حظًا كبيرًا من الشهرة لا يملكون المقومات التي تمكنهم من الاستمرار في هذا المجال، وكل ما يملكونه هو المنظر الجميل والوسامة الظاهرية. فهل فعلًا اكتسح أهل الوسامة سوق النشيد رغم عدم أهليتهم على حساب أهل المهنة؟ ولماذا استبدل الناس جمال الشكل بجودة الأداء واهتموا بأشكال المنشدين رغم عدم جودة ألحانهم ووجود من هو أكفأ منهم؟ "الرسالة" سعت للحصول على إجابات لتلك الأسئلة الصعبة فكانت الحصيلة التالية: لا للتعميم بداية يقول عضو فرقة إشراقه المنشد عبدالسلام الوابلي: من حيث المبدأ لا يمكن التعميم بأن المنشد ذا الوسامة هو من يحظى بمتابعة الناس، لكن إذا نظرنا عن قرب للساحة الإنشادية لوجدنا الحقيقة المخيفة وهي أن معظم المنشدين من ذوي الوسامة أصبحت لهم شهرة أكبر ودليل ذلك هو أنه إذا ابتدأ منشدان سواسية فردة الفعل وإعجاب الناس بالوسيم تفوق الآخر. واستدرك الوابلي بأن نجاح المنشد في الفترة الحالية ليس مشروطا بجمال المظهر (فقط) فهناك ما هو أهم كجمال الصوت فالإنشاد هو الصوت الجميل في المقام الأول. وقال: في حال اجتمع جمال الصوت والمظهر عند أحد المنشدين فلا شك أن مثل هذا المنشد سيكون أكثر حظًا من غيره وسنرى أن متابعة الناس له تفوق غيره من المنشدين لتمتعه بصفة لم يحظ بها غيره. واختتم عضو فرقة إشراقه الإنشادية حديثه بأن المنشد الوسيم سيُتابع من قبل البعض وليس الكل. وفي النهاية يبقى الصوت الجميل والأداء المتفرد واللحن الشجي هي العوامل الحاسمة في الأمر. استبدال خاطئ وبدوره يتحسر قائد فرقة ربى الفنية الأستاذ أكرم العروسي على فكر بعض المهتمين بالساحة الإنشادية الحالية بقوله: لو رجعنا لحقيقة الإنشاد لوجدناه محاكاة صوتية وألفاظ تؤدى بأنغام جميلة لإيصال عبارات هادفة للناس تسهم في رفع مستوى الذوق لديهم وهذا هو المفترض الذي ينبغي السير عليه. مبينا أنه في الفترة الأخيرة بات فئة من الناس يتابع المنشد لا لجمال صوته وأدائه بل لحسن شخصه وجميل خلقته وإن كان صوته ليس جميلًا. وأشار العروسي إلى أنه لو اهتم المنشد بمظهره وخرج بصورة حسنة فهذا هو المطلوب لكن هناك فرق بين الاهتمام بالمظهر والوسامة والاهتمام بالأداء وشتان بينهما. وما يفترض فعله هو اهتمام الناس بجمال الصوت والأداء وليس غير ذلك. واختتم العروسي بقوله: بعض الوسيمين لا يمتلكون مقومات الإنشاد التي يستحقون أن يقال عنهم منشدون بسببها، وهؤلاء بكل أسف دخلوا المجال ونجحوا فيه وأثبتوا وجودهم بسبب أشكالهم وليس لجمال أصواتهم. تكشف الحقائق لكن المسؤول الإعلامي بفرقة الدانة للفنون الحجازية صهيب بارود يرى أنه ليس شرطا أن يكون المنشد حسن المظهر بل يفترض جمال الصوت وبراعة الأداء وهذا ما نراه فأكثر المنشدين الحاليين هم ممن يستحق عليه لقب المنشد. وبين بارود أن المنشدين الوسيمين سرعان ما يذهب بريقهم لأنهم منذ الأساس لم يكونوا مؤهلين، وقال: ربما يحصل المنشد في البداية على صيت وشهرة وسرعان ما يكتشف الناس ضعف إمكاناته وعدم أهليته في مجاله وأنه ليس مؤهلا للمنشد. وقد يجد الوسيم في بداية إنشاده استحسان البعض ولكن هذا لا يستمر طويلًا إن لم يمتلك الكفاءة والقوة التي تجعله تمكنه من إكمال مسيرته الدعوية بشكل لائق. والمنشد الذي لا يمتلك صفات الجمال والوسامة قد لا يجد في بداية مجاله الإنشادي ترحيبًا من الجمهور ولكنه بخلاف سابقه سيبرز نفسه وبشدة نتيجة امتلاكه أهم ما في الإنشاد وهما "الصوت والأداء". الصوت أولًا وأخيرًا أما المسؤول الفني للمواقع الإلكترونية عبدالرحمن العبالي فبين أن نسب المتابعين والمشاهدين للمنشد الوسيم المبتدئ في أول فتراته تكون عالية كون النفس البشرية تحب النظر للجمال الذي تستسيغه النفس البشرية وجبلت عليه. ويقول: المنشد الذي لا يمتلك المظهر الحسن لا يلفت الأنظار، ومع أن قدرات المنشدين تتفاوت لكن الكلمة الأولى والفاصلة تكمن في صاحب الصوت الأجمل والأروع. فهذا هو الذي يستطيع الإبحار بسفينته الفنية، أما الوسيم الذي لا يملك العوامل الضرورية للنجاح كمنشد فإن مثل هذا تكون نسبة متابعته عالية في بداية أمره فقط.