* كنتُ أنوي الكتابة عن المتسوّلين، ولكني خشيتُ من غضب مسؤولي المكافحة، فكانت الفكرة البديلة -والتي حضرت فجأة- هي الكتابة عن حكاياتي مع الحمار، يوم كان الحمار وسيلة المواصلات الصعبة والثمينة، والتي لا يملكها سوى الأغنياء، وكان الفقراء مثلي يستمتعون بمشاهدته وهو يعدو، والأجراس ترن من أقدامه، كما كان الملاك يتنافسون على العناية به ليصل الأمر للزينة، وهي حكاية تشبه (مزايين الإبل) يعني كان لدينا (مزايين الحمير)، ولكم أن تتصوّروا أن أهم أمنياتي في تلك المرحلة هي أن يشتري والدي حمارًا أركبه بزهو، وأتنقل على ظهره من قرية إلى قرية، لكن ذلك الحلم لم يكن لي، ولم يتحقق إلاّ بعد فوات الأوان، وحين تحقق كانت المصيبة في أن حمارنا جاء مشوّهًا، بل ومعتوهًا، كما كان عنيدًا، وغريب الطباع، وظل والدي حريصًا على تدريبه ليمكننا من الاستفادة منه، إلاّ أن حكايته بقيت، وجنونه ظل يكبر معه إلى أن انتهى بنا الأمر إلى قرار التخلّص منه للأبد، ولأن للماضي قيمة، أجدني أعود له، والحنين يحلّق بي، وحين أصل للحمار أتيقظ وأعود للحاضر، هذا الذي يقتلنا أحيانًا، ويفرض علينا في أحايين كثيرة ما يشاء، كما يعاملنا في بعض الأحايين معاملة يرفضها حمار، ونقبلها نحن ببساطة، ليس إلّا من أجل أن نعيش. * أحيانًا أحسد حمارنا على جنونه الذي لا يهتم بأحد، ويمكنه من ممارسة ما يشاء في حضور أي أحد، ولنهيقه موسيقى غير عادية، ودوي وضجيج يهدان سكون القرية، ونحسبه عاديًّا، لأن نبض الطفولة في عروقنا كان أكثر حركة وضجيجًا وحماسًا، وحين انتهينا من مرحلة الحمار جاءت السيارة، وحضر معها الخوف والموت المخيف، والسبب أن هناك بشرًا خُلقوا ليخالفوا النظام، وحين تراهم يركضون ويتنافسون على المقدمة، تظن أنهم حريصون على الزمن، وتكون الصدمة حين تكتشف أنهم عاطلون عن العمل، كما تكتشف أن مَن قطع الإشارة، وقضى على أسرة كانت تعبر في الضوء الأخضر هو متهور، جنونه يفوق جنون حمارنا الذي تخلّصنا منه، لكن المثير اليوم أن هناك أطفالاً يمارسون القيادة، سنّهم لا يتجاوز العاشرة، وترى بجانبه شخصًا ضخمًا يملأ نصف السيارة، فتضحك وتبكي من هول ما ترى، لكن القضية أن هناك بشرًا لا يختلفون في تفكيرهم عن حمار، وحين تسأل عن مَن سيُحاسب هؤلاء (ساهر أم شرطة المرور)..؟! تحتار، وتضطر أن تغادر لكي لا تختلف مع أحد، وتتطور الحكاية إلى معركة. * (خاتمة الهمزة).. كان حمارنا المجنون أعقل من كل الذين يتباهون بقيادة أطفالهم اليوم، ويعرّضون الآخرين للهلاك، وهم لا ذنب لهم سوى أن عقول بعض البشر هي أصغر بكثير من عقلية حمارنا المختل، وهي خاتمتي.. ودمتم. [email protected] للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (48) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 (Stc) 635031 (Mobily) 737221 (Zain)