في الغالب يكون هناك تحذير قبل الأفلام المرعبة التي تحتوي على مشاهد عنيفة ينصح بعدم مشاهدتها من قبل الأطفال وأصحاب القلوب الضعيفة وأنا بدوري أوجه تحذيراً لأصحاب الأحاسيس المرهفة والعواطف الجياشة بعدم متابعة قراءة هذا المقال. بعد انتهائي من إلقاء محاضرتي في إحدى المستشفيات داخل أحد مراكز التأهيل، طلبت مني بعض المشرفات التوجه إلى إحدى غرف المعاقات، حيث كان هناك مشكلة في التواصل معها فهي ترفض الحديث مع أي شخص كان. دخلت الحجرة فوجدت فتاة في السابعة عشر من عمرها تعاني من شلل نصفي إضافة إلى تشوه خلقي في القلب والرئتين يجبرها على التنفس الاصطناعي لفترة طويلة كانت نظراتها يائسة وعيناها تقولان ارحل فأنا قد فقدت الأمل في الحياة منذ زمن بعيد. وبعد جهد جهيد نجحت في جعلها تتحدث وليتني لم أفعل، فقد كانت كلماتها تجعل القلب يتفطر ألماً وحسرة، فقد كانت تعيش طريحة الفراش في هذا المشفى منذ سن السابعة، ولم تكن ترى والديها سوى مرة واحدة كل عام، يأتيان لبضع دقائق ويضعان في يدها بعض النقود قبل المغادرة، فما يكون منها إلا أن تلقيها في سلة المهملات. نعم هذه هي قصتها باختصار، فهي لم تعرف يوماً الحب أو الحنان، ولم تذق يوماً طعم العاطفة والرحمة، كانت تملك شغفاً شديداً للتعلم، وكانت تتمنى أن تتمكن من قراءة القرآن، فضلاً عن الصلاة التي لم تسمع عنها سوى من الممرضات في المشفى. تكررت زياراتي لها وكنت أصحبها أحياناً خارج المشفى لفترة قصيرة، لتعود بعدها إلى جهاز التنفس الخاص بها، لكنها بدأت تحب الحياة وأصبحت أكثر تمسكاً بالأمل الذي حرمت منه طوال حياتها، ولكن هيهات هيهات، فقد جاء سيف الجلاد ليقتل في نفسها تلك الأحلام الجميلة، التي تعد من أبسط حقوقها في الحياة، فقد أبلغتني إدارة المشفى بمنعي من زيارتها من قبل من تسمي نفسها أمها، وعندما حاولت مواجهتها لإقناعها أجابتني بالحرف الواحد لا أريدها أن ترى النور، لا أريدها أن ترى الأمل الذي تتحدث عنه، أريدها أن تبقى هكذا حتى تموت. لقد دفنوا عبير الزهرة قبل أن تتفتح، وقتلوها قبل أن تموت، ووأدوها قبل أن تتوارى تحت الثرى، هذه هي الحكاية وهذه هي الرواية وتلك هي الصورة كما رأيتها بأم عيني، التي ملت الدمع حزناً وألماً على جريمة نكراء غابت عن عيون أولئك الباحثين عن حقوق الإنسان، فضلاً عن جمعية الرفق بالحيوان، فهل لهذه القصة من عنوان؟! [email protected]