نشهد هذه الأيام أكبر تظاهرة ثقافية تُعدُّ قبلةَ المثقفين، بعدما احتوت ثقافات متعددة في قرية واحدة تحمل مسمّى (الجنادرية)، وقد تشكّلت على هيئة بيوت تراثية تمثّل كافة مناطق المملكة. وعندما نقف على عتبة بيت المدينة، وخشبة الماضي نقول بكل أمانة: ما أجمل هذا الجناح! فقد أحكم تخطيطه، وأبدع صنعه بعقول وسواعد وطنية من أبناء المدينةالمنورة، وكان ذلك بقيادة الدكتور مروان أبوعزة، وإشراف المهندس حازم رزق، ومجموعة من معلّمي البناء والمعماريين، ولكن -للأسف- بقيت خشبة الماضي داخل هذا البيت غير متوازنة، فقد اهتمت بتراث الحاضرة، وتجاهلت تراث البادية على كافة الأصعدة، فأمّا على صعيد الفنون الشعبية، فقد نشاهد حضور المزمار، والدانة، والمجس، والصهبة، بينما غاب الرديح (البدواني)، (العرضة الحجازية)، والمجالسي، والحداية، والمجرور، والجمالي، وغير ذلك، وأمّا على صعيد الأكلات الشعبية فنشاهد حضور اليغمش، والمنتو، والبليلة، وفي المقابل يكاد يكون هناك غياب جماعي لأكلات البادية، وعلى رأسها المرقوق، والرشوف، والعصيدة، واللبى، والسخينة، والبسيسة (السويق)، وغير ذلك. وأمّا على صعيد العادات والتقاليد فلم نشاهد إلاّ زفة العروس، والزي الحضري، رغم أن هناك الكثير من العادات والتقاليد بقيت في ذاكرة النسيان، منها على المثال ما يُسمّى ب(الفازة)، وهي عبارة عن بيت صغير مصنوع من الشعر، لا يسع إلاّ لشخصين، يكون في السنة الأولى من الزواج، وكذلك هناك ما يُسمّى ب(الثوب المكمم)، و(الثوب أبوزند)، وغير ذلك من الأزياء المشهورة في بادية المدينة، وهذا نزر يسير من بين دفات تراث البادية، ومازال هناك الكثير لملء جعبة الباحثين عن الموروث الشعبي. فإذا استمر الوضع على هذا المنوال فقد يكون تراث بادية المدينة عرضة للضياع والإهمال، رغم أنه من أهداف الجنادرية الاهتمام بالتراث الشعبي، ورعايته، وصقله، وحفظه من الضياع، وحمايته من الإهمال، لذلك نتمنى أن لا تقتصر التوسعة في بيت المدينة على المكان فقط، وإنما تشمل توسيع خشبة الماضي على كافة الأطياف والأصعدة لكي يكتمل عقد الجمال في منظومة التراث، وفي نهاية المطاف لا يسعني إلاّ أن أشكر القائمين على الجنادرية، وعلى بيت المدينة بشكل خاص، وقد كانت جهودهم واضحة من خلال الإقبال المتزايد من زوار المهرجان لهذا الجناح. إبراهيم عبيد الصاعدي - المدينة المنورة