قبل فترة زمنية كنت موجودًا في مدينة القاهرة، المدينة الجميلة المحببة إلى قلب كل عربي، وقد تلقيتُ دعوةً كريمةً لحضور أمسية ثقافية تضم عددًا وافرًا من الأدباء، والشعراء، ورجال الصحافة، وذلك بمناسبة إحياء ذكرى فنان الشعب (سيد درويش)، بقاعة سيد درويش التي كان لي الشرف أن أحظى بحمل بطاقة عضويتها. وصدف أن جلس بجانبي أحد الصحفيين المصريين الذي تعرّف عليَّ، وبعد فترة من الوقت بادرني بسؤال فيه شيء من عدم حسن النيّة، بعد أن علم بأنني أحد أعضاء قاعة سيد درويش للموسيقى والتراث الفني، قائلاً: مَن بظنّك أعلى قامة فنية عن الآخر سيد درويش، أم محمد عبدالوهاب؟ فقلتُ له: أنت يا أخي تسألني سؤالاً محرجًا وذاتيًّا، وأنت تعلم أنني أحد أعضاء جمعية سيد درويش، ولكنني سوف أُجيب عن سؤالك بكل حيادية. الموسيقار محمد عبدالوهاب أعلى قامة فنية من قامة سيد درويش. فقال: ما هو دليلك القاطع على هذه الإجابة؟ قلتُ: ما كتبه الكثيرون عن هذه الشخصية الفنية المتفرّدة، وما كتبته أنا عنه أيضًا. فقال: اسمعني ما كتبته عنه -من فضلك- فقلت له: بشرط أن لا تنشر هذا اللقاء الصحفي الذي سوف يضعني في موقف إحراج، قال أعدك بذلك، وقد أوفى بعهده. شادي الجراح قد أثملتني طربًا وبات شدوك عن جراحي يلهيني سمعتُ صوتك في الأسحار أذهلني وكاد بوحك بالأحزان يرديني لأن حزنك مزروعٌ بقافيتي وذي جراحك قد سكنت دواويني وذا نواحك أرّقني وسهّدني وغدا حنينك للأحباب يبكيني فأنا شبيهك.. أشجاني معذبة ظبي بوجدي مازال يعنيني ما قد منحني ما أهوى ويأمرني أرعى هواه ومازال يمنيني لكنّ بوحك آهات مجرحة كأن صوتك مذبوح بسكين فكم بكيت على قيس وليلاه وكم حزنت على بلوى المساكين وكم شدوت مع الجندول في ولهٍ وكم صدحت مع التوباد والنّيل وكم صبوت مع نجوى وهمستها حتى ثملنا من ورد ونسرين وكم شراع قد مرّ بدجلتنا لكن شراعك من نوم يصحيني وكم نعيت أبطالاً لنا رحلوا وكم نزفت على جرحى فلسطين فكرنك الحب مازالت بلابله تشدو غناك وما زالت تناجيني وكليوباترا كم رقصت بأخيلتي لما أشرت ذي حور من العين يا من ربيت في بيت خمائله زهر يفوح بأنفاس الرياحين غنيّت فيه ألحانًا يماثلها شدو الطيور بأزهار البساتين شوقي رعاك دون الخلق كلهم فغدى هزيجك معشوق السلاطين ذاك الأمير مَن ظلت قصائده تعلو الصروح في أرقى الميادين أسطورة الفن مازالت روائعك نهفو إليها من حين إلى حين أضحى مقامك في الوجدان مسكنه يا مَن سلبت إعجاب الملايين (*) كاتب وشاعر وعضو اتحاد كُتّاب مصر