(أخذ.. فتنقيح.... فإضافة).... قاعدة كان يستند إليها العلماء المسلمون إذا وجدوا لدى إحدى الأمم ما يمكن أن يغذي ويثري علومهم واكتشافاتهم وأسلوب حياتهم، وهي قاعدة عظيمة تعتني وتحترم كثيرًا الإنسان كشخصية لها الاستقلالية التامة في الفكر والسلوك والدين المُتبع وحتى العادات والتقاليد بمعنى أنها تقوم على الإطلاع على الثقافات الأخرى وبلورة ما يمكن بلورته لصالح المجتمع بكل أفراده وبتنوع وظائفهم وأفكارهم مع الأخذ في الاعتبار الإطار العام لهذا المجتمع. فقامت أعظم حضارة على أساس هذه القاعدة، التي أضاءت بقاع العالم الإسلامي بنور العلم والعلماء في الوقت الذي كانت فيه أوروبا تعيش عصور الظلام والجهل بسبب سيطرة الكنيسة على العلم ورفضها التبحر فيه إلا في حدود ضيقة يرفضها العقل البشري الذي يميل بفطرته عادة إلى البحث والتحري والاكتشاف. لكن هذه القاعدة بدأت تتلاشى وتزول بعد ذلك حتى فقدنا أثرها ولم نعد نجدها في حياتنا، وأصبح مكانها مبدأ التقليد الأعمى والتبعية والاستنساخ وياليتها كانت في المفيد! ولو تأملنا حال بعض البرامج والمسلسلات العربية لوجدت العجب العجاب من الاستخفاف بالعقول!! ومحاولات لتسطيح الفكر العربي والإسلامي وتهميشه وزرع مفاهيم لا تتناسب أبدا مع قيمنا الدينية والاجتماعية ولا أعرف حقًا إن كانت هناك أهداف مسبقة لذلك أم أن أصحاب هذه القنوات والقائمين عليها لا يهمهم إلا ملء ساعات البث ببرامج ومسلسلات تضمن لهم استقطاب أكبر عدد من المشاهدين وبالتالي جذب أكبر عدد من الإعلانات وهي سياسة أصبحت واضحة حتى لمن يجهل دهاليز وأساليب إدارة هذه القنوات وهنا أقول من حق هذه القنوات أن تبحث عن زيادة الدخل ومن حقنا عليها كمشاهدين احترام عقولنا... فأين إذن سياسة الموازنة من اعتباراتها. فتجد إحدى القنوات العربية الفضائية والرائدة -كما يُقال- تستنسخ برامجها استنساخًا رهيبًا من القنوات الأمريكية دون أن تتكلف عناء التفكير في أهمية هذا البرنامج بالنسبة للمشاهد العربي وما الفائدة التي ستعود عليه؟! أو حتى محاولة لبلورة البرنامج ووضعه في الإطار المناسب والذي يحترم عقل المشاهد العربي ويرقى به فكرًا وسلوكًا!! وللأسف وككل تجارب الاستنساخ ظهرت هذه البرامج كنسخ مشوهة تفتقر للكثير والكثير مما يحتاجه المشاهد العربي. لقد أصبح الشغل الشاغل لهذه القنوات استنساخ الهوية الأمريكية وتقديمها للمشاهد العربي على أنها الهوية العصرية بكل ما تحمله هذه الهوية من لغة، وفكر، وطريقة ملبس، وطريقة معيشة، أما الهوية العربية فأصبحت هوية قديمة ولا تتماشى مع متطلبات العولمة وينصحونك بالاحتفاظ بها في متحف كي تتذكرها مع أحفادك يوما ما وتحكيها لهم كقصة مسلية قبل النوم. استغرب بالفعل!! وتُطرح في بالي آلاف التساؤلات مما لا يتسع لها المكان هنا!! لم الاستنساخ بهذا الشكل وبهذه الطريقة العمياء؟؟ ألا يوجد في الكفاءات العربية الإعلامية من لديه القدرة على الابتكار والتجديد؟؟ لا أصدق أننا عدمنا المفكرين والمبتكرين في عالمنا! ولم الاستخفاف بعقل المشاهد العربي ومحاولة الانحطاط بذوقه وفكره وملبسه وجعله نسخة خاوية من أي روح وقيم وتعاليم وما الهدف من وراء ذلك؟؟ هل هو احتراف التبعية بصناعة أجيال ذات عقول خاوية؟؟ ولصالح من؟؟ ثم ألا يستحق المشاهد العربي والذي هو السبب الرئيسي في نجاح القناة أن يُحترم فكره وهويته العربية على الأقل بالتفكير والبحث في الحياة الأمريكية عما يفيده ويرقى به فكرا وسلوكًا وأخلاقًا ووضعه في إطار يتناسب مع هويته؟؟ هذه هي وجهة نظري لهذه القنوات أما عن رغبتي وأظنها رغبة المشاهدين ممن يمتلكون فكرًا واعيًا فهي (احترام) عقل المشاهد العربي بكل ما تحمله كلمة (احترام) من معنى. أما إذا سُئلت عن كيفية احترام العقول فارجعوا للقاعدة التي في أول المقال.... واحترامي. هبة العبّادي - جدة