قَبل أيَّام صَدر قَرار يُرتِّب نِظَام المَطبوعات، ويُعيد الاعتبَار لأشياء كَانت مَنسيّة، ويُجدّد أنظمة كَانت مُهملة، ويَبتكر فَقرات مُستجدّة، ولا اعتراض عَلى هَذا النِّظام، فأهل العِلْم أدرَى كَما يَقولون، وللأمَانة فإنَّ القَرار –كغَيره- قُوبل بعَاصفة ذَات اتّجاهين، اتّجاه يَميل إلى القبول والتَّأييد والمُناصرة، واتّجاه آخر يُحاول أن يُناقش القَرار، ويَتداخل مَع مَضمونه، مِن بَاب المُناكفة والمُنافرة، وهَكذا هي سنّة الحياة، لا يُمكن أن تجمع البشريّة عَلى شَيء..! غَير أنَّ الجَميل في هَذا القَرار أنَّه لا يَشملني إطلاقاً، لأنَّه يُركّز عَلى عَدم التَّعرُّض أو المَساس بالسّمعة أو الكَرامَة، أو التَّجريح أو الإساءَة الشّخصيّة إلى مُفتي عَام المَملكة، أو أعضَاء هيئة كِبَار العُلماء، أو رِجَال الدّولة، أو أيًّا مِن مُوظّفيها، أو أي شَخص مِن ذوي الصّفة الطّبيعيّة أو الاعتباريّة الخاصَّة، لذَلك هو لا يَشملني، لأنَّ مَن يُتابع كِتَاباتي يَعرف أنَّني أتصارع مَع عَالم الحيوان، وأنتقد مُمارساته، وأُدافِع عَنه أحياناً، وأُظهر عيوبه، كَما أفتخر بهِ أحياناً أُخرى، وأُبدي مناقبه، والحيوانات –كَما نَعلم- لا تَندرج ضمن المَحظورات التي نَصَّ عليها نِظام المَطبوعات، فلا هي مِن ذَوات الشّخصيات الاعتباريّة، ولا هي أيضاً مِن عيون الشّخصيات الطّبيعيّة، فَضلاً عَن أنَّها لَيست مِن المواطنين العَاديين، أو موظّفي الدَّولة.. لذلك أتحدّى مَن يَمنع لِي مَقالاً أتناول فيهِ الشَّأن الحيواني بسوء، فبإمكاني أن أنتقد خُطوط طَيران الحَمَام الزَّاجِل، وتَأخُّر وصول الخيول إلى الميدَان، كمَا أنتقد الدَّجاج عَلى قلّة إنتاجه للبيض، ممَّا أدَّى إلى ارتفاع سِعره، وأجد حريّة في نَقد النَّحل حين تَتردَّى أنشطته؛ ولا يُصدر لَنا عَسلاً صَافياً فيه شِفاء للنَّاس، الأمر الذي يُؤكِّد أنَّ النَّحل هو عبارة عَن وزارة الصحّة في عَالم الحيوان..! وعَالم النَّقد في الحيوان –أيضاً- يَشمل كُلّ الأنسَاق الحيوانيّة، فمِن حَقَّي أن أنتقد صَوت الحِمار حين ينهق ويزعج مَن حوله، وانتقد -أيضا- البَقرة حين تَتشبّه بذَوات الحُسن مِن البَشر، وبإمكَاني أيضاً أن أعتب على الإبل، حين تَتسكّع في الطّرقَات وتُؤذي البَشر وتَتسبّب في الحَوادث، وألوم أيضاً وزارة بَلديّة الحَمام، لافتراشهِ في أروقة الحَرمين الشّريفين، الأمر الذي أدّى إلى انتشار القَاذورات، ومُضايقته الصَّريحة للمُصلّين مِن البَشر..! حَسناً.. مَاذا بَقي..؟! بَقي القَول: إنَّ عَالَم الحيوان عَالَم رَحب، والتَّكلُّم عَنه أو الانتقَاد فيهِ يَمتاز بالمرونة، فأنا مُنذ سِنين أنتقد بَل وأسخر وأشتم في عَالَم الحيوان، ولَم يَصدر بحقِّي أي مَنع، ولم يُجبرني أحد عَلى دَفع أية غَرامَات..!.