أفادت مجلة فوربس أن العالم يعج حاليًا بعدد قياسي لذوي الثراء الفاحش، إذ بلغ عددهم 793 مليارديرًا، مرتفعًا 15 في المئة عن العام الماضي، مع ارتفاع عددهم في الهند وروسيا والبرازيل والشرق الأوسط، وكذلك زيادة عدد النساء في القائمة. ما لفت نظري هو عدم معرفة الناس لأصحاب الثروات في بلادهم؛ فمثلًا قرأت عن قائمة أغنياء العرب فوجدت أثرياء سعوديين تحطم أرصدتهم المليارات ومع ذلك لا أعرفهم مع أنني من العاكفين على قراءة الصحف. مع أن شخصيات كهذه تستطيع الوصول إلى الشهرة بطرق شتى بعضها أسهل من بعض ليس كالصعود عبر سلم إلى الأعلى، بل الإقلاع بمصعد كهربائي إلى أعلى البرج بثوان. قد يكون السر في سؤالين وجها لشخص واحد: الأول: هل لديك أقارب أغنياء؟ الجواب: نعم؛ ولكنهم لا يعرفونني. الثاني: هل لديك أقرباء فقراء؟ الجواب: نعم؛ ولكني لا أعرفهم. هذه هي النظرية المشبعة بحب الذات، والمتجاهلة لشرارة الطغيان الناتجة عنها، والموجودة في (كلا إن الإنسان ليطغى * أن رآه استغنى). يا ترى هل يعرف الناس الأمير الوليد بن طلال؟ بالطبع؛ الصغير قبل الكبير، فمشروعاته المتنوعة الخيرية بمختلف مناطق العالم حفظت له ذكرًا حسنًا، وعمرًا ثانيًا. ومساجد الراجحي، وبنوكه الإسلامية جعلته هدفًا في دعوات الداعين في الصلوات، والخلوات، وسائر التجمعات الخيرية. أما شريخان الذي نصب نفسه كملك للغابة بقوته الجسدية، سرعان ما جعلته يفتك بالحيوانات الصغيرة، والفيلة الكبيرة؛ لأن مخالبه تقطع جميع الجلود، وأنيابه تمضغ جميع اللحوم، ومعدته تهضم بلا فتور. هذا هو شريخان لا يستطيع أحد الوقوف أمامه؛ لأنه وحش كاسر لا يعرف للرحمة بابًا، ولا للصديق عرفانًا، ولا للجار طريقًا. شريخان هنا قوة تمثلت في البطش، كنوع من القوة أو القوى التي تجعل من يمتلكها يشعر بنوع من الاستغناء المربوط بالاستعلاء إلا ما رحم ربي. وإليكم هذه القوة التي تمثلت في هذه الآية: (إنما أوتيته على علم عندي) كلمة قالها أكبر أثرياء البشرية «قارون» الذي وصف الله ثروته بأن مفاتح الخزائن فقط يثقل حملها العصبة الأقوياء من الرجال!! حيث ذكر بأنه إذا ركب حملت المفاتيح على ستين بغلًا أغرّ محّجل!! وأصبح الناس من قومه يقولون يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم. وكانت نتيجة كلمته تلك أن (خسفنا به وبداره الأرض). أما الناس الذين تمنوا مكانه فقالوا بعد أن رأوا ما حصل لقارون ملك الذهب والأموال (لولا أن من الله علينا لخسف بنا). بالطبع؛ في حياة الأشخاص هناك سيرة وذكر، وبعد موتهم هناك سيرة أخرى وذكر آخر؛ لأن من الناس من تبكي الأمة بموته، ومن الناس من لا تبكي إلا أمه بموته. فقد يسافر تاجر في رحلة سياحية تكلفه مئات الآلاف قد لا يبقى له ذكر منها إلا حفنة من المال دفعها لعامل النظافة في الفندق الذي رق لحاله. ومن تصدق فقد تصدق لنفسه، وزاد رصيد حسناته الأخروي، لأن ما عند الله لا يضيع، وما عند الناس ينسى ويضيع ويبلى. فكما أن الدنيا تضحك أناسًا فإنها تبكي آخرين.. فلا تفرح إن كنت من الضاحكين، لأن الضحك لا يدوم. ولا تحزن إن كنت من الباكين؛ لأن البكاء لا يدوم. ولهذا وذاك أقول: تذكروا بأن العمر قصير، والوقت سريع، وأن الدنيا زائلة. ولكم أتذكر حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم عند دخولي لأي مقبرة: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له» (رواه مسلم). ومن منا لا يعرف الإمام مسلم؟ هذه هي القوة والشهرة تورث لك إما ذكرًا حسن أو سيئ، والناس شهداء الله في أرضه، ولكن يبقى في البداية والنهاية ما نقدمه من خير أو شر هو «لأنفسنا». عبدالعزيز جايز الفقيري - تبوك