لم أكن أتصور على امتداد رحلة صداقتي لك القصيرة والتي امتدت لنحو عقد من الزمان أن يأتي يوم أكتب فيه رسالة لن تقرأها وأنت الشمعة المضيئة في حياة كل من عرفوك.. وأحبوك.. بل وعشقوك...!! كنت يا صديقي الحبيب العاشق الولهان لمدينتنا الرائعة.. والتي بقيت كغيرك من عشاقها ترفض (كهولتها) التي تسبب فيها أمناء أُوكل إليهم أمرها.. (فدمروها) وأحالوها لمدينة إسمنتية مترامية الأطراف.. لا تختلف عن مدن عالمية كبرى كشيكاغو.. ونيويورك.. ولندن.. بكل قذاراتها الحديثة.. و(هايوياتها) الطويلة...!! نمارس معًا.. ومع الصديق سامي خميس.. وزين أمين... والدكتور عدنان اليافي.. والسيد يوسف المرزوقي.. ومصطفي معوض.. التجوال في حواريها القديمة وأزقتها الرائعة.. ليلًا لنتغنى معًا (بوحاشتها).. مطبقين المثل القائل: القرد في عين أمه غزال!! كم ليلة شهدت اجتماعاتنا ورفقتنا لبواقي قهاويها في شارع الدهب.. وأطلال الهنداوية.. نستمتع فيها بما بقي من مدينتنا الحبيبة.. و(نجتر) كما الحيوانات ذكرياتنا.. وماضينا الجميل.. بين حواريها.. وأزقتها.. وكم ليلة.. تجولنا فيها في شارع قابل.. والخاسكية.. وبيت نصيف.. نشم عبق شجرة النيم العتيقة.. ونتذكر (بنك) الخواجة ينّي.. وأجبانه النادرة في ذلك الزمن، الخواجة يني الذي كان موضوع كتابك القادم والذي لن يتسنَ لك قراءته..!! وكم من ليالٍ ذهبنا فيها لنرى بواقي بحيرة الأربعين.. المهددة بالدفن(!) لتتحول (ربما) من شاطئ سابق للعشاق.. كما كانت إلى قلعة إسمنتية جديدة وكأن جدة الحبيبة ناقصها أبراج...!! كم من أحدية.. عبّقت فيها جلساتنا بحديثك الممتع عن مدينتنا الحبيبة.. التي لم يبقَ منها غير منطقة وسط البلد.. والتي سميت بالمنطقة التاريخية.. والتي تمنيت أنت قبلنا أن يتسارع إصلاحها لتبقى شامخة على مر الأيام.. وقبل أن تنهار البقية الباقية من بيوتها.. ورواشينها.. ومجالسها.. ومبيتاتها.. والتي ذرفنا معًا الدمع عليها ونحن نراها تتحول إلى عشوائيات تأوي العمالة الأجنبية.. لتشوه البقية الباقية منها.. بمكيفات اخترقت حرمة رواشينها الخشبية النادرة.. والأثرية. كم من ليالٍ جمعتنا بك ردهات (سن ست) جدة.. وفندق المنزل.. ومقهي النخيل.. فكنت كعادتك عمدة اللقاء بحديثك العذب.. وتألقك الدائم.. وحرصك علي لقاء أحبائك.. ولازلت أذكر اتصالك الجوالي بي في وقت متأخر.. للقائك.. وشلتك الحبيبة.. وإصرارك على حضوري.. برغم كل الاعتذارات التي كنت أقدمها لك.. وتنجح دائمًا في مسعاك..!! آه يا صديقي الحبيب لقد رحلت عنا.. ورحلت عن أحديتنا التي كنت تحرص عليها دومًا والتي لم تنسها بمكالماتك الهاتفية التي كنت تحرص عليها كل أحد (تقريبًا) للسؤال عن أعضائها.. حتى وأنت منهك القوى أثناء علاجك في لندن حينما حدثتنا قبل أيام من رحيلك لتبلغني بإرسال نسخ من آخر مؤلفاتك (مقام حجاز) لأعضاء الأحدية تاركًا إيانا نجتر ذكرياتنا معك.. ونعيش ما تبقى من العمر (نتحسّف) على فراقك.. ونجتّر ذكرياتنا معك... لا أدري كم من الأيام بقي لنا ليتجدد لقاؤنا بك.. فرحمك اللّه رحمة واسعة وأسكنك فسيح جناته... وألهم أسرتك.. وأحبائك.. وأصدقائك الصبر والسلوان.. وإنّا لله وإنّا إليه راجعون.. [email protected] (*) كاتب صحفي ومستشار مالي