(1) بشرى طالعتنا أخبار السبت الماضي بأمر ملكي-ألفنا بهجته-يقضي بتثبيت معلمي ومعلمات برنامج محو الأمية المسائي أسوة بأقرانهم في الفترة الصباحية المشمولين بالتثبيت,مع تكليفهم بالعمل في الفترة الصباحية إكمالا للنصاب.ولا شك ان هذا الخبر يؤكد حرص ولاة أمر البلاد-حفظهم الله-على تحقيق الاستقرار الوظيفي لأبنائنا وبناتنا,لما من شأنه توفير الراحة والطمأنينة لهم وشعورهم بالرضا والأمان. وقد حفزني هذا الخبر المبهج على ترقب عاجل لبشائر جديدة(داخل السياق التعليمي ذاته)تعالج الأسى الذي يغمرنا جميعا على(الوضع)العجيب لأبنائنا وبناتنا-أيضا-من معلمي ومعلمات المدارس الأهلية,الذين أزعم أنهم أكثر الأطياف العاملة في مجتمعنا حاجة لتحسين أوضاعهم المادية والمعنوية على السواء,وقد كنت أسعد مديدا لتناول كتابنا الأجلاء لقضية هؤلاء المغلوبين على أمرهم,المعلقين بين السماء والأرض,في اللحظة التي أعجب فيها من صمت مسؤولي التربية والتعليم في بلادنا عن معاناتهم حينا,أو ركل كرتهم البائسة إلى ملاعب الوزارات الأخرى,كأن هؤلاء المعلمين(والمعلمات) لايقومون بدور تعليمي تربوي ولا يضطلعون بأهداف الوزارة المنشودة في الرقي بالمستوى التعليمي والتربوي لأبنائنا وبناتنا,(ولا يهون)في ذلك الصمت المرير الموقرون في مجلس الشورى(الذين أظن أن جلهم لايعرف أن ثمة ورثة لأنبياء الحق ربما لايحصلون على ألف ريال أحيانا كراتب شهري من تاجر مستبد)!,والأجلاء في بعض تجليات خطابنا الديني المؤثر الذين اهملوا جدوى استثمار الخطاب لمعالجة مثل تلك المشاهد الموجوعة التي يحدث بسببها أضرار اجتماعية وتعليمية شتى,بدلا من استنفاد هذه الخطابات لكل طاقاتها في فتاوى الخوف من المرأة أو عليها(لافرق!).. (2) المعلمة الأهلية..أنموذجا سبعة عشر عاما من الكد والتعب في مراحل التعليم المختلفة تقود فتياتنا إلى حاجة قاهرة ترمي بهن في أتون المدارس الأهلية بعد انطفاء شعلة الأمل في فضاءات العمل الحكومي,ليجدن أمامهن المهمات التعليمية ذاتها التي لقريناتهن في المدارس الحكومية الآمنة-وربما أكثر-ومنها(التكليف بجدول دراسي لايقل عن21حصة دراسية-الاشراف على فصل دراسي نظافة وترتيبا-الاشراف على أحد النشاطات اللاصفية-دفتر الاعداد التحضيري اليومي-تقديم أوراق عمل في كل حصة دراسية لمتابعة رصد درجات الطالبات في سجلات التقويم-متابعة دفاتر الواجبات اليومية-المناوبة الأسبوعية التي تمتد إلى الثالثة ظهرا غالبا..)..أعمال واعمال يجب عليهن النهوض بها وهن يقبعن بين مطرقة مالك المدرسة وسندان مديرة المدرسة والمشرفة التربوية اللتين تجعلان منهن حقولا لتجارب وانتقادات لاتنتهي,يملأن بها سجلاتهن الفارغة!!..اما المقابل المادي لكل تلك المهمات والتحديات والتضحيات فإنه في حدود1500غالبا,ولا يتجاوز الألفي ريال ولو قضت المعلمة عمرها كله في ذلك الفضاء التعليمي,كما أن ذلك المقابل المادي(الضعيف)ليس مضمونا في كل الأحوال,فللمدرسة الحق في إلغاء عقد المعلمة في أية لحظة بقرار داخلي,وليس من حقها المطالبة بحقوقها أثناء إجازاتها الاضطرارية(للحمل والرضاعة مثلا),وعندما تجبر على الابتعاد لضعف الحافز مع قوة(ظروف)الحياة فإن عليها أن تدفع راتب ثلاثة أشهر كشرط جزائي,وليس لها المطالبة-كذلك- بالحصول على وثيقة تثبت خدمتها وخبرتها..(غلب من كل شكل ولون)...!! (3) أسى.. وأمل! ..بصراحة فإني لاأكاد أستوعب حالة التلقي النفسي الموجع لمعلمات المدارس الأهلية,أولا وهن يستلمن1500 ريال آخر كل شهر في حين أن إخوتهن وأزواجهن من المعلمين الحكوميين يستلمون سبعة أضعاف مقدار راتبهن كحد أدنى,ثانيا وهن يرين أصداء البهجة بالأوامر الملكية في تلك الجمعة المباركة والتي شملت كافة موظفي البلاد بمن فيهن قريناتهن من المعلمات,رغم أنهن يؤدين الوظائف التعليمية نفسها(وأكثر)..وأخيرا وهن يعلمن عن التثبيت السامي الكريم لمعلمات محو الأمية اللاتي لايؤدين في المشهد التعليمي العام نصف ماتؤديه معلمات المدارس الأهلية من حيث( نصاب الحصص التعليمية ,والفترة الزمنية للتعلم, والتكليفات التربوية المتعددة)...كأني بهن اللحظة-مع كل تلك المحبطات- على ثقة بأن ملك الانسانية خادم الحرمين الشريفين سيرأف بحالهن حتما ويساويهن باللاتي شملهن أمر التثبيت الكريم..فقط هن يبحثن يمينا ويسارا على وجه السرعة عن يد أمينة تحمل رسالتهن إليه(حفظه الله)وهو الذي قرر بألا يقل راتب الموظف السعودي أيا كان قطاعه الوظيفي عن ثلاثة آلاف كحد أدنى لاستيعاب ظروف المعيشة وتطورات الحياة.. (4) السياق الصحيح ..و لعل الفرصة-إذا ما انتظم هؤلاء الفتيات المعلمات المعلقات في السياق الصحيح للمؤسسة التعليمية الحكومية,ولو بالحد الأدنى من الأجر المادي الذي تقدمه هذه المؤسسة الهامة في بلادنا-أن يكتسب العمل التعليمي الأهلي انضباطا وحرصا وجدية في أمور حاسمة,لأن أمر تعيين هؤلاء المعلمات يشوبه الكثير من القبول الانطباعي والعشوائية المزاجية من مديرة المدرسة أو المشرفة المكلفة(فقط)!مما فتح الميدان لأطياف غير جديرة بغايات التعليم الخالصة..كما أن الانقطاع المفاجئ لهؤلاء المعلمات بسبب ضعف الحافز يسبب إرباكا دائما يقع ضحيته أبناؤنا وبناتنا.. (5) قيمة التعليم في بلادنا ..واخيرا فإن الواقع الآني للمعلمات في المدارس الأهلية يدل على ضياع مقيت لقيمة العلم والتعلم في بلادنا-بشكل أو بآخر-بعد أن تواطأ بعض أصحاب رؤوس الأموال مع تجاهل المجتمع وصمت المسؤولين المعنيين بالأمر على تأكيد حقيقة عابثة وهي» أن المقابل المادي المكافئ لمهمة التعليم في بلادنا لايتجاوز راتب خادمة أو سائق أجنبيين(وإلا كيف نسمح لتاجر واحد متعدد الأنظمة يعطي معلمة في احدى مدارسه الخاصة1500ريال كراتب شهري,في حين أنه يكافئ موظفات الاستقبال في مؤسسته براتب5آلاف ريال شهريا, ويقدم لفنانة في شركته الفنية 150 ألف ريال سنويا لاصدار ألبومين غنائيين بواقع13ألف ريال شهريا!!)..وفي الختام فما مدى ارتهاننا وتمثلنا-بتلك المشاهد المتناقضة -لحديث سيد الخلق:»لايؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه مايحب لنفسه»..أظننا ابتعدنا كثيرا عن مثل تلك التوجيهات الجليلة!! [email protected]