* هل نحن بحاجة إلى رقابة على الرقيب؟! سؤال تبادر إلى ذهني وأنا أتابع أخبار القبض على بعض المسؤولين في لجنة التعديات بمكةالمكرمة من قبل الجهات الأمنية!! * الرقيب يقبض على الرقيب!!. وكم نحتاج لنصل إلى آخر حبة في العقد؟! ثم على ماذا يدل هذا؟! * أسئلة كثيرة تستوقفك جبرًا وأنت تتابع أداء مثل هذه (الأدوار الرقابية)!!. وبدءًا فإننا نؤمن بالمطلق بأهمية الرقابة، ومسلّمة أن “مَن أمن العقوبة أساء الأدب” تعكس نوازعنا الدائمة في الاختراق والوصول غير المشروع، وتعكس حقيقة النفوس المرتكزة على دوائر متداخلة من الخير والشر!!. ونؤمن أيضًا بأن الرقابة عدو الفساد.. وأننا لو أحكمنا الرقابة لخفت حدة الفساد، وفي هذا السياق فإن عدة أمور نجدها حاضرة في أذهاننا عند كل حدث!!. أولها أن الرقابة يجب أن لا تستثني أحدًا!!. بمعنى أن كائنًا من كان يجب أن يكون تحت طائلة المساءلة وداخل دائرة العقوبة، وهذا ديدن ولاة أمورنا!!. وفي كارثة سيول جدة مثلاً.. للجنة تقصي الحقائق حق الشمولية وعدم الاستثناء!!. * وعندما أعلنت بالأمس وزارة الداخلية عن إحالة 332 شخصًا إلى جهات التحقيق لتحديد المسؤوليات الجنائية والإدارية حيالهم في كارثة سيول جدة كانت كل أسئلة المواطنين ووسائل الإعلام تتكهن في عدد الشخصيات الاعتبارية ومن هم؟! * وكأن الناس تجاوزوا الحدث على أهميته إلى المتسببين فيه، وهذا من أبسط حقوقهم. فهم يريدون أن يعرفوا من فعل بهم هذا؟! من الذي تسبب في غرقهم ودمار ممتلكاتهم؟ مثل ما هو مفترض أن تعرف الدولة وأن تحاسب من الذي تسبب في غرق مدينة وفي تكرار كارثة هي بهذا الحجم من الترويع ومن المآسي وعلى مدار عامين متتاليين؟!. * أمّا ما يتداول (هنا) و(هناك) فهو في تحديد حجم تلك (الشخصيات الاعتبارية)، وكأن الناس يتساءلون عن مقدرة الاستثنائية. في سحب كل الرؤوس إلى ذات الموس!! * هم لا يريدون أن يكون الضحية وكبش الفداء هو ذلك المواطن البسيط، أو ذلك العامل الذي لم يكن دوره أكثر من حمل ألواح الخشب!! هم يريدون الهوامير الحقيقيين الذين عبثوا بالأرواح وبالمقدرات!!. * أعطيكم مثالاً آخر .. الجهات الأمنية قبضت على مسؤولين في لجنة التعديات في مكة بكمين محكم في وادي ملكان بتهمة الرشوة!. * الفعل قبيح والأقبح أنه يأتي من (عين الرقيب)!. ولكن تعالوا نأخذ الجزء الفارغ من الكأس، والذي لم يلتفت إليه أحد!!. * أقصد أن الكمين تم في أرض حكومية كبيرة جدًّا، اعتدى عليها شخصية اعتبارية، ونصب بها خيامًا، ومكاتب، ولوحة كبيرة، وله مجموعة سماسرة يسوّقون له.. أي على عينك يا تاجر!!. ولم يسأل أحد منّا لماذا تم التعدي على الأراضي الحكومية من مثل هذه الشخصيات الاعتبارية؟ مثلما لم يسأل أحد منّا في العديد من المدن عن الهوامير الذين يعتدون ويستولون ويبتلعون، لماذا تفعلون ذلك؟ * هل لأحد منّا الحق أن يسأل لماذا لا تحضر الرقابة إلاّ بعد أن تقوم المخططات، وتُباع، ويذهب (الهوامير) بكل شيء، ولم يبقَ في الساحة إلاّ رؤوس البسطاء المكشوفة؟!. * أحسب أن هناك خيطًا من الأسمنت ما بين كارثة جدة وكمين لجنة تعديات مكة هي لعبة (التعديات والهوامير)!!. وتظل القضية الخاسرة هي (الرقابة)!!. نعم هي الرقابة.. فلو كسبت لما كانت تعديات شرق جدة وربما لم تحدث كارثة، ولو كسبت الرقابة لما قامت تعديات في ملكان ووادي نعمان، وأخشى يومًا أن تقوم كارثة في وادي نعمان بعد أن ملأتها التعديات وغابت الرقابة!!. * ونسأل لماذا تخسر الرقابة؟! وأعني تحديدًا الرقابة على التعديات! في نظري هناك مجموعة من الأسباب ومنها: 1- غياب ثقافة الرقابة لدينا.. بمعنى أن الرقابة (حصرية) في شخصية مسؤول وليست (شمولية) في وطنية مواطن!!. وهذا مع الأسف ينسحب على كل شيء.. فالمواطن سلبي رغم أنه رجل الخط الأول، في (الأمن) وفي (الرقابة) وفي كل شيء!. فهذا وطنه وحق عليه أن يكون عينه ويده وسمعه وقلبه!!. 2- عدم فعالية بعض الجهات الرقابية بسبب النقص والتأهيل وقلة الإمكانات واختيار العناصر، وقد يكون بسبب الصلاحيات وعدم تنفيذ القرارات!!. 3- إيجاد بدائل سكنية للمواطنين، وأن يكون هذا جزءًا من الحل لمشكلة التعديات. * بقي أن أقول في النهاية إن (الرقابة) ليست مسؤولية فقط بقدر ما هي حس وطني أمين وصادق!!. ونجاح الرقيب ينبثق من هذا الحس، وليس من كثرة الجهات الرقابية!!