تناولت في مقال الأمس موقف كندا المنحاز لإسرائيل، حيث أدان وزير الخارجية الكندي لورانس كنون الهجوم الذي وقع في القدس يوم الأربعاء 23 مارس الماضي، في حين نراه يتغاضي عن إدانة مواقف إسرائيل التعسفية تجاه الشعب الفلسطيني، وآخرها مقتل ثمانية فلسطينيين بضربات جوية إسرائيلية، وسأبحث اليوم إمكانية لعب كندا دورًا تاريخيًّا في أن تكون وسيط سلام مقبولاً بين إسرائيل والفلسطينيين. فلقد كان لي شرف تمثيل بلادي سفيرًا للمملكة العربية السعودية في أوتاوا، وكان ذلك في عام 2007 في بداية صعود حزب المحافظين بقيادة ستفين هاربر إلى الحكم بفرق بسيط في الانتخابات التي جرت عام 2006، لكن قيادة السيد هاربر الحازمة للحزب وإنجازاته الداخلية ثبّتت أقدام حزبه أمام تدهور أوضاع الحزب الليبرالي الذي حكم كندا لفترات طويلة، ولافتقاد الحزب الليبرالي لمرشح كاريزمي قوي يستطيع التغلّب على السيد هاربر الذي رسّخ موقعه في الحزب، وحاز على جماهيرية متصاعدة دعمت من نجاح حزبه. ولقد انتهزت الفرصة في محاضرة عن السياسة السعودية الخارجية، ومبادرة الملك عبدالله للسلام بين العرب وإسرائيل قدمتها في جامعة كونكورديا بمدينة مونتريال في الخامس من ابريل 2007، إلى دعوة الحكومة الكندية لتوظيف خلفيتها التاريخية القائمة على سياسة التوازن بين الجانبين العربي والإسرائيلي إلى تأييد مبادرة الملك عبدالله للسلام لإنهاء الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين، وهي المبادرة التي أيدت من معظم دول العالم، وعلى رأسها الولاياتالمتحدةالأمريكية، حليف إسرائيل التقليدي. وقد كنت -ومازلت- أعتبر أن كندا كانت -ويمكن أن تظل- لاعبًا أساسيًّا في منطقة الشرق الأوسط، وذلك بالعودة إلى سياستها التقليدية التي اكتسبت احترام وتقدير كل دول المنطقة، ودول العالم جميعًا. خاصة بأنه وعلى الرغم من الدعم الراسخ الذي تقدمه الحكومة الكندية لإسرائيل، فإن معارضة عامة الشعب في كندا لسياسة بلادهم بلغت مستوى لم تبلغه من قبل. فقد كانت الاحتجاجات ضد تركيز مهرجان السينما الدولي الذي أقيم عام 2009 في تورنتو على تل أبيب، نكسة لجهود العلاقات العامة الإسرائيلية. وجاءت البلبلة التي صاحبت المهرجان في أعقاب المظاهرات الضخمة ضد العدوان الإسرائيلي على غزة، عندما شهد العديد من المدن الكندية أضخم تظاهرات تضامن مع الشعب الفلسطيني في تاريخها. وبالإضافة إلى مظاهر المعارضة للسياسة الكندية إزاء إسرائيل، تتنامى الحملة المطالبة بمقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها، ومعاقبتها. كما تشهد الحركات الاجتماعية في كندا ذروة انتقادها للكيان الصهيوني. واليوم، وبينما تدخل كندا مرحلة جديدة بعد حجب البرلمان الكندي الثقة يوم الجمعة الماضي (25/3) عن حكومة الأقلية المحافظة التي يقودها ستيفن هاربر، متسببًا بسقوطها، وبانتخابات تشريعية ستجرى مطلع شهر مايو المقبل. فإن هناك احتمالاً بعودة الحزب الليبرالي الذي حافظ على توازن سياسي في مواقفه تجاه القضية الفلسطينية، الأمر الذي يمكن أن يعيد إلى كندا دورها التاريخي في أن تكون وسيط سلام مقبولاً بين طرفي النزاع في المنطقة. لذا وإن كنت آمل في دور كندي متميّز تحت قيادة الحزب الليبرالي برئاسة مايكل ايغناتييف الذي يُمثل مع فريقه «بديلاً واضحًا» للمحافظين، إلاّ أنه قد يُدهش القارئ عندما أقول إنني من المعجبين بشخصية ستفين هاربر كزعيم كاريزمي له طموحات كبيرة في الانتقال بكندا إلى فضاءات جديدة، يرى فيها كندا دولة أولى في العالم قوةً، وأمنًا، واقتصادًا، وصحةً، ونظافةً. لكن انحيازه السافر لإسرائيل، من وجهة نظري، حال دون أن يخلق منه شخصية عالمية، كان يمكن أن يتفوق فيها على وزير خارجية كندا في منتصف الخمسينيات ليستر بيرسون الذي أعطت مبادرته في إرسال قوات دولية لحفظ السلام بين مصر وإسرائيل بعد العدوان الثلاثي على مصر في عام 1956 إلى جعل كندا دولة عالمية لها سمعة متقدمة عن إمكانياتها الفعلية آنذاك. لذا فمن المؤسف أن تحول أفكار هاربر، وأيديولوجية حزبه المحافظة في أن يكون أحد الشخصيات الدولية ذات التقدير والاحترام. [email protected]