«لا تنسونا من صالح دعائكم».. بهذه العبارة ختم الملك المفدى كلمته الأبوية لشعبه المحب له، المتفاني في حبه، بعد أن بين في كلمات موجزات فخر القيادة بهذا الشعب الذي لا ينخدع بأكاذيب وأباطيل المغرضين من أعداء الأمة، ويحيط بقيادته إحاطة القلادة بالعنق، وبعد هذه الكلمة المركزة الصادقة التي تفيض بمعاني الحب والرعاية، انهلّ وابل الأوامر الملكية الكريمة الزاخرة بالعطاء التي يمكن وصفها دون أي مبالغة بالجامعة المانعة، فهي لم تستثنِ مواطناً من خير لابد من أن يصل إليه، صغيراً أو كبيراً، عسكرياً أو مدنياً، موظفاً أو دارساً، عاملاً في القطاع الحكومي أو القطاع الخاص، بل عاملاً أو عاطلاً عن العمل، فكيف ينسى هذا الشعب الوفي بعد ذلك كله هذا الأب الحاني من صالح الدعاء وخالصه بأن يمتعه الله بالصحة والعافية وأن يمن عليه بطول العمر، ويبقيه ذخراً لهذه الأمة وظلاً ظليلاً لأبنائها وبناتها. أقول وبالله التوفيق: إن ما يشغل المواطن في معاشه اليومي أمور محدودة ومعروفة، ولو أنها تحققت له، صلح حاله، وزاد عطاؤه، وزاد معه ولاؤه وانتماؤه إلى وطنه وأولي الأمر، وكل ذلك سبيل لتقدم البلاد ونمائها وازدهارها ودعتها وأمنها واستقرارها. وإن كان المواطنون في كل أقطار الدنيا دون استثناء لا يحلمون بأكثر من أن يأمنوا على أمور دنياهم من مأكل ومشرب ومسكن وأمن وصحة. فإن مواطني هذه البلاد المسلمة وحدهم ودون غيرهم على وجه البسيطة يضيفون إلى كل ذلك أمنهم على دينهم ومعتقدهم، وقد تحقق لهم كل ما يصبون إليه من أمن على أرزاقهم وأقواتهم ومستقبل أبنائهم وصحتهم وسكناهم، دون خوف أو وجل على أرواحهم وأعراضهم وكرامتهم ورفعة شأنهم ورغد عيشهم. وأحسب أن أمناً كهذا بمعنى: دين ودنيا، لم يتحقق لأمة من الأمم على مدى الدهر إلا لأمة الإسلام في القرون الأولى التي نشهد بعثاً لها وسيراً على خطى سلفنا الصالح فيما سنوه فيها في عهد الملك الصالح عبدالله بن عبدالعزيز واسأل الله تعالى أن يمد في عمره حتى ندرك يوماً نبحث فيه عن مستحق للزكاة فلا نجد، وما ذلك على الله بعزيز. كانت بنتاي الطالبتان الجامعيتان إلى جانبي تسمعان عن القرارات الجامعة المانعة، وسألتاني: هل يشملنا أمر بابا عبدالله بصرف راتبين؟ قلت بالطبع، فالأمر الكريم يشمل جميع موظفي الدولة وطلاب وطالبات التعليم العالي. فطفقتا تدعوان له بطول العمر وسداد الأمر. واتصلت بابني أيمن الطبيب المبتعث من جامعة الملك عبدالعزيز لأبشره بصرف الراتبين فلهج لسانه بالدعاء وهو في غربته بأن يحفظ الله هذا المليك الإنسان. واتصلت بأحد الشبان الباحثين عن عمل لأكرر بشارتي له بأن راتباً لا بأس به سيصرف له خلال عام حافزاً له للجد في البحث عن عمل، وشجعته على أن يتجه إلى مؤسسات القطاع الخاص، فهي ملزمة اليوم بتوظيف السعوديين أكثر من أي وقت مضى. واتصلت بابني المهندس إيهاب وأشرت عليه بأن يتقدم لقرض من صندوق التنمية العقاري لأن سقف القرض قد ارتفع إلى خمسمائة ألف ريال وهو مبلغ مجزِ إلى حد كبير خصوصاً بعد دعم الصندوق بمليارات الريالات. ومن أراد أن يستفيد من الوحدات السكنية التي ستؤمنها الدولة فالباب مفتوح له على مصراعيه، فقد أمر الملك المفدى ببناء نصف مليون وحدة سكنية في جميع أنحاء المملكة أي أن نصف مليون أسرة ستستفيد منها أي أن ما يزيد عن مليونين ونصف المليون من السعوديين سيستفيدون منها. فإن افترضنا أن مثل هذا العدد سيفيد من صندوق التنمية العقارية، فمعنى ذلك أن أزمة الإسكان خلال سنوات قليلة ستصبح في ذمة التأريخ. وإن كان المواطن في حاجة دائمة إلى رعاية صحية متقدمة فإن دعم المرافق الصحية بستة عشر مليار ريال، سيجعل الخدمات الصحية الحكومية منافساً لا يقهر للمستشفيات الخاصة، وقد يستغني المواطن بالعلاج الحكومي المجاني. ناهيك عن أن الدعم الحكومي للمستشفيات الخاصة ارتفع إلى أربعة أضعاف وهو حافز لها على تطوير خدماتها وكذلك الرأفة بالمواطنين في تكاليفها. ولعل من أبرز القرارات الجامعة المانعة التي تمس حياة المواطن بشكل مباشر تأسيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد فهي صمام الأمان تجاه إنفاذ الأوامر السامية، وضمان وصول حقوق المواطن إليه دون تقاعس أو تأخير. وسُرّ المواطنون إلى أبعد حد بالتأكيد على احترام العلماء وحفظ مكانتهم، ودعم جمعيات تحفيظ القرآن، وتخصيص أموال طائلة لترميم المساجد وإنشاء المجمع الفقهي، إضافة إلى تحسين أوضاع العسكريين وحماة الوطن. ليس ذلك كل ما جاءت به القرارات الجامعة المانعة، بل هو غيض من فيض، تلك القرارات التي ستزيد هذا الشعب الوفي وفاءً وولاءً وانتماءً.